| |
ما أشبه الليلة بالبارحة! ماذا يجري في سوق الأسهم؟ د. عبد الرحمن الشبيلي
|
|
لم يعد سوق الأسهم السعودية مقتصراً، كما كان فيما مضى، على شريحة محدودة من المواطنين أو على رجال المال والأعمال، فاليوم ينتفع منه ويتعامل معه نصف سكان المملكة، بمن فيهم نسبة من المقيمين، والذي لا يتداول بنفسه مباشرة، يعتمد على قريب أو صديق أو وسيط. وقيل فيما سبق، إن التعامل مع الأسهم، وإن اعتمد على المعلومة والشطارة والحظ، إلا أنه من حيث المبدأ لا يختلف عن سوق البضائع من كونه يقوم على مبدأ العرض والطلب، وأنه ليس (بطلسم) أو إليكترون). حصل الانهيار الأول قبل ثمانية أشهر لأسباب نجهل خفاياها، وذهب الناس في تأويلاتهم لأسبابها مذاهب شتى، طالت الكبير والصغير والمسؤول والفرد، لكن الانطباع العام كان يحمِّل هيئة السوق كثيراً من مسؤولية ذلك الانهيار، لكونها، في حينه، تبنت قرارات فجائية، واتخذت مواقف معادية لجذوة السوق (الهوامير) من المضاربين، الذين استطاعوا كما اتُهموا أن يلووا ذراع الهيئة بخفض السوق. استُهدفت الهيئة ورموزُها بتعليقات قاسية، وصار التغيير استجابة لنبض الشارع، بعد أن طولبت الحكومة بالتدخل، واتخذت بعض إجراءات أنعشت السوق في تلك الأيام، واستدركت رئاسة الهيئة الجديدة بعض الأخطاء السابقة، ومنها شفافية التعامل مع الإعلام، وخفض حدة التوتر بين الهيئة والمضاربين. تفاءل المتعاملون مع السوق، إلا أن السوق لم يترك (ليركد) ويلتقط الأنفاس، وبدلاً من العمل على التهدئة وترك السوق يتعافى من آثار الصدمة، اتخذت قرارات أخرى متسارعة، لم يكن ليقوى على استيعابها وإن كانت في بعضها إيجابية في التنظير لكنها لا تتناسب وطبيعة المجتمع، مثل إلغاء دوام الخميس وتوحيد الفترتين. وبالإضافة إلى ذلك، جدت عوامل كانت أكبر من قدرة الهيئة على التدخل فيها، مثل الاكتتابات الجديدة، في حين، عاد المضاربون يمارسون (لعبتهم) المحببة القديمة، وفي هذه المرة ليس في رفع السوق كله، بل برفع شركات معينة وإهمال أخرى، فارتفعت أصوات تقول: ليت الحكومة لم تتدخل. اليوم يحصل انهيار آخر، أسوأ من الأول، لأنه انحدر بالمؤشر إلى (قاع) جديد، ولأن الدرس القديم لم يُفهم، حصل اختلال في توازن السوق، وتكررت المأساة، بينما لا يجد العاقل تفسيراً مقنعاً لما حدث! فهو يُدرك أنه أمام وضع اقتصادي مزدهر، ووعود بمستقبل مشرق، خاصة وأن سعر البترول لا يزال مرضياً، ومدن اقتصادية بُنيت على افتراضات دخول متنامية، وبشائر بميزانية رخاء، ومع ذلك يأخذ السوق اتجاهاً منحدراً معاكساً لكل المؤشرات والمعطيات. وعاد المحللون الذين كانوا بالأمس يتوقعون بلوغ المؤشر مشارف الثلاثين ألفاً، عادوا بنظريات جديدة: إنها مكررات الربحية، وإنهم المضاربون يمارسون عادتهم الأولى، وأصبح المواطن لا حول له ولا قوة، بل لا حيلة له إلا الفرجة كل يوم على (قعر) جديد. فماذا يحدث في سوق الأسهم من جديد؟ هل هو ما زال تصحيحاً كما سمي من قبل؟ هل هي مؤامرات من نوع جديد؟ وإذا كان (الهوامير) بهذه القوة فلماذا لا تتوجه قوتهم إلى شركات العوائد (السِّمان)؟ وهل بقي لدى الحكومة من وسائل أخرى مخبّأة لإنعاش السوق من جديد سوى فكرة السماح للشركات بشراء نسبة من أسهمها؟ إن المطلوب اليوم هو ما كان مطلوباً بالأمس، أن يترك السوق ليهدأ ويستقر، وأن تحجب عنه عوامل التوتر، فالسوق منذ سُقمه الأول لا يزال منهكاً ولا بد من مداراة حالته النفسية والصحية. ثم أين أصحاب الخبرات المتراكمة الطويلة، من أمثال: محمد أبا الخيل وعبد العزيز القريشي ووهيب بن زقر ومحمد الشريف وعبد العزيز الراشد، يستشارون ويُسمع منهم ويُستفاد من أفكارهم ووصفاتهم العلاجية؟ نجزم بأن القيادة تألم لما يحدث في سوق الأسهم، وأنها تريد للمواطن أن ينعم بمعطيات الازدهار الاقتصادي، ونعلم بأن حرصها على احتفاظه بمكاسبه القائمة أهم من حُلمٍ بمستقبل لا يعلم مردوده إلا الله.
|
|
|
| |
|