| |
رَجُل لِلبَيْع أحمد المؤذن
|
|
يحفر في ذاكرته وجه رجل ثري، يشعل سيجارا كوبياً ويمتطي صهوة مرسيدس شقراء وآسيوي يقود العجلات الأربع. متعب وأقدامه تهترئ من لهاثه في الشوارع القاسية التي لا تهديه دكاكينها ولا مؤسساتها عملاً يستجديه بعبارات حضارية، منهكة كوجهه. تذكر أن بحوزته هاتف جوال يزغرد - (نعم أنا هو - من المتكلم؟) - على الطرف الآخر صوت خشن (لا تتجاهلني - سدد ما عليك وإلا ...) - (أنت تعلم أنني مفل..) قليل الذوق أغلق السماعة في وجهه وأوصد باقي أبواب وطرق هذا العالم الكئيب.. لمح متسولاً يتوارى في زقاقه يعد أوراقاً بلا عدد. لا لا الفكرة لا تستحق مجرد التفكير ولا المغامرة في التحول من متبطل إلى متسول، لكنه يحترق وتتقاذفه زوابع ديونه المتراكمة وأشرعته أفلتت من صواريها وتاه في العمق ولم يسأل عنه أحد. هذه المرة يبدأ هو بسؤال أخيه على الجهة الأخرى من المدينة، ضغط الأرقام الإلكترونية ثم انتظر في خوف ويأس من عدم الرد ككل مرة وجاءه صوت مخمور (أنا متعب). . فرغ جحوظ عينيه في الشارع وعادت صفعات يأسه تشويه على نار هادئة. زحام العربات وجنونها الشديد وأقدامه تتردد و.. اندلقت برأسه فكرة عبقرية، فكرة صعبة لكن سينفذها وسيبحث عن (هامور) ثم يطوح بجثته أسفل عجلات سيارته الفخمة وليطحن اللحم والعظم يتبعثر ويتبخر مع تعاسته وهناك تعويض دسم.. تتلاشى بعدها كل ديونه كلها، كلها. خنق الخوف قاع قلبه الواجف ومحيط الشارع مقبرة تنتظر نعشاً يحمل ذاته، لا يري فقط يسمع نفير التحذير من السيارات الغاضبة ويرسم صور النهاية.. يد غليظة توقف تقدمه ولهجة عسكرية صارمة تخاطبه.. (هي أنت يا محترم - اعبر الشارع مثل الناس). جمع خيوطاً لم تصطد وتشوه الخيبة وجهه ويعبر الشارع تحت عناية الشرطي المرتاب، يخطو في تعب وتنتفخ أوداجه من الحر في مدينة بلا ظلال. يمسح عرق وجهه المتهاطل فتسقط من كفه فاتورة لم يسددها، احتقن وجهه كالمرجل وانفجر بصرخة وحشية وأكل الفاتورة ثم ابتلعها! أمطرت سماء المدينة أوراقاً تحمل أرقام الدنيا، تختزن لعنتها المسلطة، تفتح أفواهاً واسعة، تنشق الأرض أسفله وهاوية سحيقة تبتلعه في لقمة خاطفة. ولج جدران بيته البلهاء، لا يحمل خبزاً ولا تفاحاً كباقي الجيران ونظراتهم الوقحة المتسائلة، يتحاشى شراسة الأعين ويذوب.. يحاول مسح عذابات النهار وتنقبض عضلات وجهه يحاول ملاطفتها.. تهرول أقدامها الصغيرة فيحملها - (عفريتتي الحلوة منال تعالي) تحمل دفتر رسمها وتخفيه (يا له من كنز - تطلعيني عليه؟) أمطرت الصفحة بياضها الجليدي المتصحر ورجل وسط الصفحة برأس منتفخة وعيون باكية! تمتلئ رأسه بالمشاكل ينوء بحمله الثقيل ثم بكى ليلة الأمس، وكانت تختلس النظر - هل كانت تفعل؟؟ سألها.. (حبيبتي - من الرجل الوحيد الباكي؟) تهز رأسها (لن أخبرك).. (وأنا لن أبوح لأحد) لكنها ترفض. يفلت غضبه فيزلزل جسدها وينتزع لوحتها (من هو أخبريني تكلمي) لكنها تبكي، يتركها فيمعن في الرسم ويرى نفسه ابناً للصحراء يتوه ويُنسى، الدموع مصائبه المتراكمة. وحدة قاتلة وهو حافي القدمين يلهث رعباً والأفاعي خلفه، أفاع من فواتير ورقية لا تكف عن مطاردته.. يتوقف ويواجه الخوف ثم يقرر فكرة مجنونة، سيأكل الأفاعي كما يفعل سكان الأدغال سيأكلها وسيأكل آخرها وليكن سمها قبراً يستريح فيه. هجم عليها ينشب أسنانه، يفجر دمها الأزرق وصرخات الفرح والانتصار تعصف والسماء تبرق والأفاعي تتلاشى، تمتلئ بطنه ورقاً وحبراً.. تنتفخ بطنه وتستمر في التمدد وتنتفخ، تنتفخ أكثر فأكثر وتفرقع في دوي هائل.. يشحب ويأخذ نفساً طويلاً، يلتفت لصغيرته، تبكي وتطالب ببالون آخر! انسل لغرفته يراقب ضوء شبه ميت لشاشة كمبيوترية، تلعب فوق سطحها الكريستالي فئران ملونة تصدر شقلبات وضحكات.. لا تضحكه الفئران ويتواجه مع الشاشة في تجهم المحكوم بالإعدام أمام منصة الموت. عطسة تملأ سكون المكان ثم ترقص في الهواء ورقة صفراء تذكره بوجوب دفع المبالغ المتأخرة عن خدمة الإنترنت قبل تاريخ محدد.. (تبقى يوم واحد - سأفعلها) دخل فضاء الشبكة وكتب.. (من يشتريني؟ نعم أنا للبيع - أمامكم إعلان للجميع - أفراد ومؤسسات وشركات وعلماء استنساخ ولصوص المافيا ومرتشى وأوغاد هذا العالم - أنا لكم أنا للبيع وهذه مواصفاتي: قامة طويلة وشعر أسود مثل حظي وعيون حزينة لكنها ستة على ستة حسب تقرير طبي معتمد. متزوج لكن لا يهم، فرجلكم المعروض عقلية رياضية فذة ويجيد اللغة الإنجليزية قراءة وتحدثاً وكتابة. لا يفوتنا التأكيد على مواصفات استثنائية.. العمر ستة وعشرون عاماً. ملحوظة.. يقدم هذا العرض بإرادة واعية وأنا بكامل قواي العقلية.. أنا لكم، أي شيء وكل شيء ومستعدون لإجراءات البيع المعفية من المساءلة القانونية والبيع بالدولار الأمريكي فقط.. بضاعتكم لا تقدر بثمن والعرض لفترة محدودة - سارعوا للحجز).
|
|
|
| |
|