| |
حديث الروح انتصار الغدير(*)
|
|
حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عناء هتفت به فطار بلا جناح وشق أنينه صدر الفضاء معدنه ترابي ولكن جرت في نبضه لغة السماء فحلق في رؤى الأنات حتى اهاج العالم الآن بكاء فقال البدر هذا قلب شاك يواصل شدوه عند المساء كلمات تغنت بها أم كلثوم في ألبومها حديث الروح والثلاثية المقدسة فعلا أبيات تهز الوجدان وهي إحدى إبداعات العلامة والشاعر الباكستاني محمد إقبال الذي عرف بقصائده الدينية والمكتوبة بلغة الأوردو... جرت العادة عند رجال قبائل باكستان إحياء سهرات وجلسات أدبية وشعرية حالمة يقوم أحدهم بإلقاء بليغ لقصائد بالأوردو لمحمد إقبال خلالها يبدأ البعض بالبكاء والبعض الآخر يسقط مغشياً عليه!. مما يدفعني إلى التساؤل: ألهذه الدرجة وصل بهم التذوق الأدبي؟.. ما هو سر كل هذا التأثر؟ هل هو في معاني القصيدة نفسها أو أن للغة الأوردو سحراً خاصاً؟ دفعني الفضول إلى البحث عن الإجابة فقمت بطلب كتاب شعر من باكستان اسمه (بال جبريل) لمحمد إقبال. وعندما بدأت بقراءة الكتاب اندهشت من التقارب الشديد بين الأوردو ولغتنا العربية.. وبعد المزيد من البحث والاستعلام اكتشفت ما لم استطع تصديقه حتى كتابة هذه السطور! أعزائي صدقوا أو لا تصدقوا ان لغة الأوردو لغة صناعية!! وتعني (الجيش) ولقد تم اختراعها من قبل لغويين هنود قاموا بجمع عناصرها من لغات مختلفة 40% منها مستوحى من العربية هدفها توحيد صفوف الجيش الهندي الذي كان يتحدث حوالي 70 لغة مختلفة ولقد لاقت هذه اللغة رواجا مخيفا وصلت إلى أجزاء كبيرة من قارة آسيا وحدت جميع المتحدثين بها إلى ان أصبحت اللغة الوطنية في باكستان! أما اليوم فتواصل لغة الأوردو زحفها لتلاقي إقبالا واسعا في البحرين والكويت وباقي دول الخليج. حاول أحد اللغويين اختراع لغة عالمية جديدة مماثلة ليتحدث بها جميع سكان العالم لتسهل عملية التواصل وأطلق عليها اسم (الاسبيرانتو) ولكنها فشلت لتجد طريقها إلى طي النسيان. عرف اللغويون اللغة: بأنها وسيلة للتواصل وهي عبارة عن مجموعة من الأصوات المختلفة يطلقها الانسان ويدل كل مقطع صوت على معنى معين, حيث يمتلك الانسان جهاز نطق متطوراً يستطيع من خلاله تقليد جميع الأصوات. كما تتمتع بعض الحيوانات بآليات نطق ولكنها اقل كفاءة من تلك التي لدى الانسان كالببغاء مثلا الذي يستطيع تقليد بعض الأصوات البشرية. كما قسم علماء اللغة اللغات إلى نوعين: اللغات الطبيعية: كالعربية والعبرية وترجع إلى السامية. أما الفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية فأصولها لاتينية. بينما الإنجليزية والألمانية فترجع إلى الجرمانية. واللغات الصناعية: كلغة الإشارة أو الصور وإشارات مورس ولغة برمجيات الحاسب الآلي مثل الكوبول والبيسيك وغيرها فهي من صنع الانسان لتلبي حاجات معينة. وأخيرا أحدث صيحة في عالم اللغات هي لغة الإنترنت التي اخترعناها نحن العرب دون ان نشعر ووضعنا لها أبجديات جديدة عبارة عن أحرف لاتينية مصحوبة بأرقام وتحويل مصطلحات الويندوز إلى أفعال كما أضيف إليها بعض قواعد الاتيكيت الإلكتروني الجديد كأمثال BRB وTYT. حيث أصبح بإمكاني ان أقول لكم الآن وستفهمونني جميعكم (Keef El7al?) شاعت هذه اللغة ولاقت ترحيبا واسعا عند مستخدمي الكمبيوتر أو حتى الجوال واعتبر من لا يجيدها غير ملم بتكنولوجيا العصر الحديث. اذكر هنا قصة طريفة حين لجأ طالب متحذلق إلى كتابة براشيم الامتحانات بهذه اللغة معتقدا بأن أستاذه لا زال يعيش في عصور القرون الوسطى ولن يستطيع فهم ما كتبه وعندما ارتاب الأستاذ من تصرفات الطالب عثر بحوزته على ورقه بها حروف وأرقام لم يفهم مدلولها.. أجاب الطالب بأنها مجرد حجاب به طلاسم للنجاح!!! استدعي ولي أمر الطالب لتبرير تعامل ابنه بالسحر وبعد سلسلة طويلة من التحقيقات فضح أمر الطالب وكانت نهايته غير مشجعة! أتساءل هل ستحقق لغة الإنترنت هذه في عصرنا الإلكتروني ما حققته لغة الأوردو؟ الإجابة في علم الغيب.. أما إجابة تساؤلي الأول في بداية حديثي حول السبب الذي دفع بأولئك الرجال إلى البكاء وفقد الوعي بعد سماع القصيدة الأوردوية؟, ان السر يكمن في المعاني نفسها فاللغات هي مجرد أطباق نقدم عليها أفكارنا وأحاسيسنا وتعلقنا بها هو مجرد تعلق حضاري وثقافي أما الكلام الحقيقي فهو فعلا حديث الروح.
(*) كلية اللغات والترجمة -جامعة الملك سعود - قسم اللغة الفرنسية
|
|
|
| |
|