قد يُغضب هذا العنوان بعض النساء، وقد يُطرب البعض الآخر، لكنه دون أدنى شك لن يُغضب رجلاً واحداً، ليس لأن الرجال (جميعاً) يرغبون في التعدد، أو أنهم جاهزون له بكل ما يحتاج هذا التعدد من إمكانيات مادية ونفسية وفقهية وبدنية وغيرها، بل لأن الأمر ذو دلالتين مهمتين، أولاهما الأمر الرباني (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) فهذا أمر لم يأتِ به الرجال، ولم يكن بمقدور النساء ولا الرجال تغيير شيء فيه؛ لأنه صادر من المولى عز وجل، فهو الخبير بشؤون عباده ويعرف ما يصلحهم وما يضرهم، وقد حرم عليهم كل ما فيه ضرر لهم، ولو كان فيه ضرر لما شرعه الله، ولما أمر به أمراً واضحاً صريحاً، وفي ذلك دلالة كافية على أن أي مشكلة تواجهنا لو بحثنا عن حل لها في الشرع لوجدناه مفصلا تفصيلاً (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)
أما الدلالة الثانية فهي الوضع الراهن للأسرة المسلمة، التي تعاني عزوفا عن الزواج من قبل بعض الشباب، وتعاني مشكلة العنوسة التي تؤرق الكثير من الفتيات دون أن يكن لهن ذنب فيها، في كل البلدان العربية والإسلامية تقريباً، ولكن بموجب تعدد الزوجات يمكن حل جزء من هذه المشكلة. واعلم تماما أن التعدد ليس أمراً سهلاً، لا للرجل الذي يحتاج إلى قدر من التوكل فضلا عن الإمكانيات والقناعة بالمبدأ نفسه، وكذلك الشجاعة الكافية لخوض مثل هذه التجربة، ولا للزوجة الأولى التي ترضى بمن تشاركها زوجها، وتقاسمها نفقتها، وتنجب من يشاركونها نفقة أبنائها، ولا حتى للزوجة الثانية أو الثالثة التي تقبل أن تكون رديفة لزوجة لها تاريخ مع هذا الزوج، وعاشت معه رحلة عمر قد تكون قصيرة وقد تكون طويلة لكنها في كل الأحوال رفقة عمر لها ما لها من الخصوصية والمشاركة الوجدانية، وأن يطلق عليها الزوجة الثانية، وهي تدرك أنها تخطو خطوات غير مرغوب فيها، على الأقل لدى الزوجة الأولى وأبنائها وأهلها وصديقاتها ومجتمعها الذي تحاول أن تندمج فيه من خلال مفتاح وحيد هو (نصف الزوج). نعم لن يكون الأمر سهلا لأي طرف من الأطراف، لكنه قد يكون أمراً واقعاً، وربما ضرورياً في كثير من الأحيان.
هناك حلول كثيرة تطرح نفسها إلى جانب التعدد لفك لغز العنوسة، لكنها مكلفة، والقرار فيها ليس في يد صاحبه، وربما ليس في يد كل من طرفَي المعادلة.. منها السعي إلى تخفيض المهور، ومحاربة عادات الترف والبذخ، وتقليل تكاليف الزواج، لكن هذا الأمر (للأسف) ينادي به فقط ذوو الإمكانيات المحدودة وأهل العلم والحريصون على تطبيق شرع الله، أما كثير من القادرين على التكاليف الباهظة فهم يرون أن الأمر لا يعنيهم من قريب ولا بعيد، ولا يستطيع أحد أن يتخذ قرارا في هذا الشأن. كما أن هناك اقتراحا آخر، هو أن يقوم بعض الذين وهبهم الله نعمة المال - ونسأل الله أن يمتعهم بنعمة الصحة والعافية والعمل الصالح - بتمويل بعض الزيجات لصالح الشباب غير القادرين على الزواج، أي بدلا من أن يتزوج رجل زوجة ثانية بحجة الإسهام في حل مشكلة العنوسة، فليقدم ذلك المبلغ من المال إلى شاب لم يسبق له الزواج، لكي يكمل نصف دينه من شابة في مثل سنه، أو قريبة منه حتى لا تكون ضحية فتتزوج من رجل في مثل سن والدها تحت ضغط العنوسة، وإحجام الشباب عن الزواج، وبحجة (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).. لكن ما يعيب هذا الاقتراح - رغم سلاسته - أنه يصبح في حيز الأماني، حتى يقيض الله من يتبرع بماله لمثل هذا المشروع ويعترف للناس أنه كان ينوي الزواج من ثانية لكنه عدل عن رأيه ورأى أن يعطي نفس المال لشاب ليتزوج به، وإلا فإن مشاريع تيسير الزواج قائمة أصلا في كثير من البلدان، ولا تخفى على الناس، لكنها ليست خصما على بند التعدد في يوم من الأيام.
هناك الكثير من الاقتراحات والحلول التي يمكن أن تساهم في تيسير الزواج، أو التقليل من وطأة العنوسة، لكنها لا تنتقص من حق الزواج بأكثر من زوجة ليس لإشباع شيء في النفس، سواء كان غريزة أو تسلطا أو حب الذرية أو تباهيا بكثرة الأنساب أو نوعاً من الانتقام، بل من أجل الاحتكام إلى شرع الله، وتطبيق أحكامه لحل قضية ومشكلة حقيقية تؤلم من يعانيها، فالنفس البشرية ضعيفة إن لم تنشغل بما هو مشروع ومباح، فستواجه الضغوط مما هو ليس مشروعاً ولا مباحاً، فقد يكون التعدد مؤلما للكثيرات والكثيرين، ولكن قد يكون هناك ما هو أكثر إيلاماً منه إن لم يفطن الناس ويتداركوا المشكلات بالحلول الممكنة والمشروعة التي نفعها أكثر من ضررها.
صحيح أن الرجل حينما يقدم على هذه الخطوة سيجد نفسه في (ورطة) لا يحسد عليها، لكنه أيضا (أحياناً) يجد نفسه في وضع يحسد عليه، ففي حال الزوجتين فقط ستشتعل نار الغيرة في منزله، وتكيد كلتاهما إلى الأخرى، ويقف هو مثل حكم في (حلبة الملاكمة أو المصارعة)، أما إذا أردف بالثالثة فسيتنفس الصعداء (قليلاً) حيث تلعب الزوجة الأولى لعبة التحالفات، فتهدئ اللعب مع الزوجة الثالثة، فترحب بها (على مضض)، وتكشف لها كل أوراق الثانية، وتتحالفان ضدها، وتصبح الثانية في وضع يرثى له، وهنا تلجأ لاستدرار عطف الزوج (المسكين) فيجد نفسه مضطرا لمساندتها، أما إذا تزوج الرجل من امرأة رابعة، فسرعان ما تتغير خارطة اللعبة، فستجد الزوجة الثانية نصيراً لها فتنتشي بقدومها وتقف بجانبها، بينما تكون على حساب الثالثة وبالطبع حليفتها الأولى، فلا ترحبان بها أبداً، وتكون المعادلة الجديدة (الأولى والثالثة، ضد الثانية والرابعة).
أما أشقاهم فهو زوج اثنتين، ولا أظنكم تجهلون القصة الشهيرة في هذا الموقف؛ إذ تزوج أحدهم من اثنتين وظن أنه سينعم بالدفء والحنان والسعادة، لكنه فوجئ بعكس ذلك فأنشد يقول: