لقد قال أبو العلاء:
وقال أيضاً:
بني الدهر مهلا إن ذممت فعالكم |
إنها الحياة مسالك العناء سمة للصابرين وللعابرين، وحتى وإن أصابهم من السرور بعضه.
ولا مشكلة مع الحياة، وإنما الإشكال مع النفس، وقدرتها على التشبع بمفهوم، ومعنى يفسر الإشكال ومصدره ومكانه، والتصالح مع هذا كله مكمنه قوة الاستيعاب، وليس صعباً على العقل أن يستوعب، ومتى استوعب العقل، فالعائد ليس له من أثر غير الإحاطة والمعرفة.
والاستيعاب الذي بأثره نتحرك بأمن وأمان، ذلك الذي لا يدرك بالحواس، ولا بوعي العقل، ولكنه استيعاب صداه يتردد على أرواحنا، فهي المؤهلة لذلك بشفافية ما هي عليه، وأبعاد المنبع لها، فهي الحاضنة للفطرة، وللمخزون من نواميس الحق عزّ وجل، وبها تبدأ الحياة، وبزوال أثرها نعبر من حياة إلى حياة.
فكل معاناة أو ألم أو حدث لا نملك أوراقه، ولا نقدر على كتابة حرف يضاف، أو استبدال آخر، فإن ذلك من دائرة الحقيقة أقرب، والحس بتحقيقه بإحساس منابعه من الروح يعيد التوازن بين جموح أو جزع، اتزان يحكم رد الفعل وفق الأصل، ذلك الأصل الذي نحاول من حوله بجهد نتائجه تتحقق من خلال ما نوفق إليه للوصول لأصل الأصل خالق شاء وقدّر: وهو لكل شيء أساس ومصدر.
وبكرم ذي العزّة والجلال، مُنحنا ساحات عليها تترعرع فروع من الأصل كنواميس وقوانين وجب أن نعشقها، حيث الخضوع لها أمر مسلم به.
فحالة العشق بسنن الخالق عزّ وجل تأكيد لمطلب الإيمان وسعياً لليقين، وربما أن هذا طريق يحظى بالمزيد من رضا الخالق عزّ وجل، فنحس أن ما نعشق حالة في جوهرها يذوب كل عجز، أو نقص في طبيعة الإنسان، فصعود يأخذ بكل شيء في الإنسان، ليستقر في كل أمر من أموره، في رحاب عزيز الجلال مطلق الجمال.
ومن أطلت عليه العاصفة وهو مستقر في تلك الرحاب، أو أطل عليها، وإن تعجل حضورها أو تأجل، فالقاعدة بمعطياتها تبقى، ولابد أن تبقى، فلقد خلق الإنسان في كبد، وهو محاط بدلالات عجزه وقصور إمكانه.
وفي ترابط المعنى بالروح خلاص من كل شطط أو زلل ينال من علاقة تميزت بروابط كتلك، فالخلاص تمهيد لليقين، وفي اليقين ومعه تلاحم وثيق فهو عاصم؛ بل مانع لكل أثر يحل بإزعاج وإيذاء.
ولحظة العاصفة إن أخذ الجزع منا مأخذه، فالسبب أننا لم نلجأ إلى المصدر الذي به نتماسك بثبات الصبر والاحتساب.
ومن المؤكد أن رحاب اليقين بما يعني، وبالأثر تتحطم من أمام رحابه كل أوهام الدنيا، لتسمو عواطف القلب به، وحينها فالحياة هي الحياة في كل قانون أو توجه.
ولقد قال الشاعر:
صبرا لما تحدث الأيام من حدث |
فالدهر في جوره جارٍ على سنن |
وهون الوجد إني لا أرى أحداً |
بفرقة الإلف يوماً غير ممتحن |
ابن الدهان الموصلي
جبران خليل جبران
|