| |
هل يعيد التاريخ نفسه في شبه القارة الكورية؟ (2-2) د. وحيد بن حمزة عبد الله هاشم
|
|
قلنا إن الاختلافات الأمريكية - الصينية في المصالح القومية الإستراتيجية لم تمنع من تقارب الدولتين ولا تحالفهما ضد عدو مشترك أو مخاطر مشتركة، وهذا ما يفسِّر التحوُّل الإستراتيجي في الموقف الصيني تجاه كوريا الشمالية وقبولها بفرض عقوبات صارمة (جلّها عقوبات اقتصادية وتجارية) على بيونج يانج وفقاً للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لكن دون اللجوء إلى جانب الخيار العسكري منه، على الأقل في الوقت الراهن أو في المرحلة الحالية. التحفُّظ الصيني الوحيد على قرار العقوبات ارتكز على عزوف بكين عن المشاركة الفعلية في العقوبات الدولية بما فيها الحظر البحري والجوي على واردات كوريا الشمالية من العالم الخارجي أو صادراتها إليه.. ومع هذا يمكن القول بتحفظ إن هذا الموقف بدوره معرَّض للتمطط والمرونة إن تطلَّب الأمر، هكذا هي السياسة الدولية خصوصاً فيما يتعلَّق بالمصالح العظمى الإستراتيجية. تأتي هذه التطورات في الموقف الصيني بعد عراك سياسي طويل وعمليات مد وجزر متواصلة بين واشنطن وبكين في أروقة الأمم المتحدة، وفيما وراء الكواليس لا سيما بعد أن بدا واضحاً أن بكين يمكن أن تصبح منعزلة عن العالم بفعل التغيُّر في الموقف الروسي تجاه كوريا الشمالية، فالقضية برمتها بين الدول الكبرى قضية مقايضات وعطاءات وتنازلات متبادلة في بعض من المصالح القومية. ولعل السياسة الأمريكية التي التزمت بها واشنطن حيال الصين الشعبية بعد نجاح سياسة (البينج بونج) القاضية بعدم التّدخل في الشؤون الداخلية للصين خصوصاً وقف سياسة الاحتواء الأمريكية للتمدد الصيني (لا سيما بعد نجاح تلك السياسة حيال الاتحاد السوفيتي وتسببها في انهياره) ساهمت إلى حدٍ كبيرٍ في ظهور عصر جديد من عصور السياسة الصينية المنفتحة على الخارج وفقاً لحركة سياسية صينية قومية خاصة. السياسة الأمريكية التي اتبعتها واشنطن حيال الصين الشعبية تمحورت حول تشجيع العلاقات الثنائية والمساهمة في نمو الصين، لكن مع تحجيمها وفقاً لآلية ما يُسمى بتركيز المصالح المتبادلة على مقومات التجارة والاقتصاد، لكن دون أن تسمح واشنطن بتصدير التقنية الحديثة (خصوصاً تقنية الحاسبات والتقنية العسكرية) إلى الصين بدون إذن رسمي منها.. لكن في ذات الوقت شهدت الصين غزواً ثقافياً اقتصادياً وتجارياً وحضارياً أمريكياً كثيفاً كان من الممكن أن يتعمَّق ويتجذَّر أكثر في جانبه السياسي في الصين لولا حادثة ميدان (تيانامين) التي أوقفت المدّ السياسي الأمريكي إلى داخل القلب الصيني. ومع هذا نجحت واشنطن في استثمار علاقتها مع الصين في تمرير أو تسهيل أو حتى تحقيق مصالحها القومية على المستويات الإقليمية والدولية.. كما حرصت واشنطن على التعويل على الدور الصيني في التعامل مع بعض الدول الإقليمية كفيتنام الشمالية وكوريا الشمالية والهند التي تُعد تقليدياً خارج إطار الهيمنة الأمريكية. ولا شك أن الخوف الصيني من اليابان خصوصاً إن عادت ثقافة العسكرة إلى المؤسسة السياسية اليابانية التي معها تعود مشاعر العسكرة إلى الوعي السياسي الياباني القومي (بفعل الخوف الياباني من القوة النووية الكورية الشمالية)، ساهم إلى حد كبير في توافق الموقف الصيني مع الموقف الأمريكي والدولي تجاه فرض عقوبات على بيونج يانج ومنعها من التّحول إلى قوة نووية إقليمية.. الحقيقة تؤكد أن التغيُّر في موازين القوى الإقليمية في منطقة جنوب آسيا وآسيا يُعد في طليعة الدوافع التي من المتوقع أن تفرض على طوكيو حتمية تبني سياسة عسكرية لتنمية وتطوير أسلحتها النووية.. الأمر الذي بدوره يُنمّي من مخاطر السباق على التسلُّح النووي مما يعني انتشاراً خطيراً للسلاح النووي في المنطقة، بل وفي العالم. قبل الأخير يجب ألا ننسى وجود نوع ما من مستويات التّخوف الصيني من أن تصبح بالفعل جارتها كوريا الشمالية دولة نووية، مما يعني حدوث تغيُّر، ومن ثم تغيير كمي ونوعي في العلاقات الإقليمية والدولية يُؤثر سلباً على المكانة الصينية، بل ولربما على مصالحها القومية إن لم يكن على أمنها القومي.. كما وليس من المستبعد أن يؤدي الوضع السياسي والعسكري المتأزِّم بين واشنطن وبيونج يانج إلى نشوب حرب تقليدية أو حتى نووية بين الدولتين قد تجر الصين إليها.. خصوصاً فيما لو لجأت أيٌ منهما إلى بعض من إستراتيجيات الضربات النووية المحدودة. الخوف أن يتحوَّل هاجس الحصول على عامل الردع النووي المتبادل بين بيونج يانج وواشنطن إلى نمو وانتشار عامل الردع النووي الجماعي المتبادل (حق الفيتو النووي) في العالم، وهو الوضع الذي لا محالة سيفجِّر حرباً عالمية نووية ثالثة لن تُبقي على أحدٍ.
|
|
|
| |
|