| |
شيىء من العربة وليس الحصان محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ
|
|
هل التخلف الذي تعيشه الدول الناطقة بالعربية باعثه اجتماعي ثقافي، أم أن سببه سياسي؟ بمعنى آخر: هل نحن متخلفون بسبب الوضع السياسي، أم أننا متخلفون لأسباب موضوعية اجتماعية وثقافية في الدرجة الأولى؟ أنا ممَّن يعتقدون اعتقاداً جازماً أن تخلفنا هو تخلف اجتماعي وثقافي؛ لذلك فإن علاج هذا التخلف يجب أن يبدأ من خلال إصلاح المجتمع أولاً، غير أن العرب مهووسون - كما تقول أدبياتهم المعاصرة - بإلقاء المسؤولية على (الحصان)، بينما أن المشكلة والعلة والسبب هو في (العربة) وليس الحصان. يقول هاشم صالح في كتابه (مدخل إلى التنوير الأوروبي) مؤكداً أن الإصلاح يبدأ من إصلاح ثقافة المجتمع (أولاً) ما نصُّه: (أن الإصلاح الديني يسبق الإصلاح السياسي، بالضرورة، ويحتضنه ويفتح له الطريق، ولذلك فإن دعوة بعض المثقفين العرب إلى إجراء إصلاحات سياسية بدون مواجهة الحركات الأصولية الارتكاسية على أرضيتها بالذات، وتحقيق التنوير الديني، لن يؤدي إلى أي نتيجة تُذكر). وهذا ما أوافق هاشم صالح عليه شكلاً وموضوعاً؛ فالغرب - مثلاً - لم يتطور ويمتلك زمام قيادة الحضارة المعاصرة إلا بعد أن تمت عملية التنوير (الديني/ الثقافي)؛ لذلك أفرز مؤسسات سياسية قادرة على القيادة وامتلاك زمام الصدارة والتفوق، فكان من الطبيعي أن ينتج هذا المجتمع آليات سياسية حاكمة قادرة على التماهي مع رقي المجتمع الذي أنتجها، سواء من حيث مواكبتها لمطالب ومتطلبات أفراده أو العمل على إبقاء تفوق مجتمعها حياً وفاعلاً ومواكباً للمتغيرات. وعندما نطالب (السياسي) بالإصلاح، بينما المجتمع (متخلف)، فنحن نقع في خطأ (التشخيص) الذي سيترتّب عليه بالتالي خطأ في (العلاج)؛ فالسياسي دائماً وأبداً يتماهى مع متطلبات بقائه في السلطة، ويهمه في الدرجة الأولى البقاء والاستمرار. والسياسي ليس هو الذي يفرض على المجتمع (أولوياته)، وإنما الثقافي هو الذي يقوم بهذا الدور. والسياسي ليس هو الذي يفرض علينا تلك (العادات والتقاليد) البالية التي نتعامل معها وكأنها ثوابت من ثوابت الحياة والبقاء، فلا يجرؤ أحد على أن يضع يده على مواضع العلل، الثقافي هو من يقوم بهذه المهمة، ويمارس حماية هذه العادات والتقاليد الموروثة. والسياسي ليس هو الذي يفرض علينا اجتهادات فقهية بعينها، وضْعُنا الثقافي (الموروث) وتكلّسنا فيه هو الذي يفرض علينا ذلك. وفي تقديري أننا عندما نلقي بمسؤولية (تخلفنا) على السياسي ونحصرها فيه فنحن في الواقع لا نخطئ فحسب، وإنما ندلّس ونزور ونخفي عن الناس البسطاء الأسباب الحقيقية لأمراضهم. خُذْ مثلاً الإمارات، ودبي على وجه التحديد. لماذا نجحت تجربتها الإنمائية نجاحاً هائلاً على المستوى الاقتصادي، وها هي تسير بهذه الإمارة للتحول من الاقتصاد (الريعي) إلى الاقتصاد (الإنتاجي) في الوقت الذي فشلت فيه تجارب بني يعرب طوال تاريخهم المعاصر في التخلص من الاستهلاك والارتقاء بمجتمعاتهم إلى الإنتاج، حتى أصبحت إدارة المنشآت الاقتصادية في العالم الناطق بالعربية شأناً (تخصصياً) لهذا الإمارة الصغيرة؟ السبب في تقديري يعود إلى أن (المجتمع) الإماراتي، و(الدّبويّ) على وجه التحديد، مجتمع لا (تقيّده) أغلال اجتماعية وثقافية (موروثة) كما هو الوضع في بقية بلاد العرب؛ فأغلبية تشكّلات المجتمع الإماراتي هي تشكّلات (جديدة)، وأغلبية أفراده ومن يُديرون شؤونه (وافدون) من خارج البلاد، وبالتالي أصبح مجتمع (بلا) عادات وتقاليد وأعراف وموروثات اجتماعية من شأنها تعطيل آلية التنمية: (العلم والسعي وراء المصلحة)، واستطاعت التنمية في تلك الإمارة أن تصنع أعرافها وتقاليدها. هذا على رغم أن الإمارات العربية المتحدة على المستوى السياسي - مثلاً - لا تُعنى بالقضايا السياسية (الإصلاحية) التي يزايد عليها البعض كشرط من شروط الإصلاح وأولوياته، وليست هذه الإصلاحات على ما يبدو أحد هواجس أهل الإمارات حكاماً ومحكومين، ومع ذلك لم يمنعهم (تهميش) الإصلاحات السياسية جانباً من تحقيق منجزات حضارية عملاقة في كل المجالات، حتى أصبحت هذه البقعة الجغرافية المرتمية على ضفاف الخليج، التي كانت طوال تاريخها نسياً منسياً، تقود اليوم التفوق والريادة الاقتصادية (العربية) بجدارة، ليس لمواطنيها فقط، وإنما لكل المنطقة بشكل يثير الإعجاب. وفي رأيي فإن الإمارات هي (تجربة) عربية استثنائية على المستوى الحضاري العربي. والسؤال: هل نجحت الإمارات بسبب الإصلاحات السياسية، أم لأن (العربة) أو الجسد الإماراتي الاجتماعي (المتنوّع) الثقافات الذي شكّل تجربة هذه الدولة على أرض الواقع كان خالياً من (الأمراض) والمعوقات الاجتماعية الموروثة؟ وليس لديّ أدنى شك في أن التطور والتنمية التي ستشهدها هذه التجربة في النتيجة ستقودها حتماً وبالضرورة إلى الإصلاحات السياسية كما علّمنا التاريخ. كل ما أريد أن أقوله هنا أننا معنيون أولاً بإصلاح العربة وليس الحصان، إضافة إلى ترتيب أولوياتنا، وأهمها على الإطلاق في تقديري أن نبدأ بالعربة (المجتمع)، وليس الحصان.
|
|
|
| |
|