| |
الرئة الثالثة مواجهة ودِّية.. مع النقد! عبدالرحمن بن محمد السدحان
|
|
* يتعرض هذا الكاتبُ بين الحين والآخر لشيءٍ من النقد الودِّي وشبه الودِّي عمّا يكتب، وكيف يكتب، ونقدٌ كهذا أمرٌ محمود، بل هو ضرورة لا يمكن تجاهلُها أو التفْريطُ بها، شريطةَ أن يكونَ الناقدُ سويَّ القَول، سليمَ النيّة، سديدَ النهج المتكِئ على الخبرة والمعرفة ونقاء الوجدان. أمّا أنْ يُطرقَ بابُ النقدِ لذاته بلا علم ولا خبرة ولا خلق، فإنَّ صاحبه لن يجْنيَ منه سوى التشْهيرِ بنفسه، لا بمَنْ انتقده، وستَتَحولُ الشموعُ التي يُشْعلها تعْريفاً بنفسه إلى ألْسنةٍ من لهاب تأتي على الأخْضَرِ واليابسِ من حَرْفه! ** * أقولُ قولي هذا لا تزْهيداً في النقد، أو نفُوراً منه، أو رفْضاً له، ولكن لأُدلِّل على حقيقة يدركها العُقَلاءُ المعنيُّون ب(صناعة الحرف) ومعَانَاتهِ، وهي أنَّ النقدَ الراجحَ ينفعُ قَائلَه ومَنْ قِيلَ عنه سَوَاء، وأنه يبْقى في أحسَن حالاته وسيلةَ تقويمٍ يستفيدُ منه الناقدُ وصَانعُ النصِّ محلّ النقد، أمّا ما عدا ذلك فلعبٌ بالنار! ** * بعد هذه المقدمة، أسوق أكثر من مثَالٍ، لما سَمعتُه أو قَرأتُه من نقد حول ما ينثُرُه هذا القلم: 1) قِيلَ عنيِّ ذات مرة إنّني أطرحُ في مجالسي الخاصةَ آراءً أقلَّ صراحةً مما أكتب. وكان ردِّي على ذلك ما يلي: الصراحةُ فعلٌ نسبيٌّ، تقديراً وتعبيراً في مواقف كثيرة، فما قد تراه أنتَ صريحاً يراه سواك غيرَ ذلك، وقد يُصنَّفُ بالغموض أو الاعتذار أو التهَرّب مِمّا هو صَريح! والحقَّ أقولُ لكم، قرَّاءً ونُقَّاداً وعَابري سبيل: إذا كانت الصراحةُ في موقفٍ ما أمراً مرْغُوباً، فإنَّ (التَلميح) نيابةً عنها في موقف آخر، قد يكون ألبغَ دلالةً وأَجملَ تعبيراً! ** 2) سمعتُ ذاتَ مرّة مَنْ أخذ عليّ أنّني أتعمَّدُ في طرْحي الكتابيّ إنْهاءَ نصِّي بخَاتمةٍ تحولُ دون منَاقشَتِه، وكأنّني أسعى إلى حَجْب السِّجال الأدبي مع الآخر حول ما أكتب، وقد قلتُ وقْتئذٍ وأقول الآن إنّ هذا النقدَ، إنْ جاز أنْ تسَمِّيَه نَقْداً، يقومُ في الغالب على الظنِّ الذي لا يُغْني من الحق شيئاً، لأنني حين أطرحُ رأْياً أو موقفاً حول أمْر من الأمور، لا أدّعِي به أوْله العِصْمةَ من الخطأِ، رغم قَنَاعتي الآنيّة به، وهذا يعْني أن بَابَ الاجْتِهادِ عندي مفتوحٌ لمَنْ شَاء السِّجَالَ، طالما التزم صاحبُه ب(ثقافة) النقد، أخلاقاً ووسيلة. ** * وبعبارة أخرى، أرحبُ بالجَدل المسيَّر بسلطة العقل، لا بشهوة الكلام، فإمَّا صحَّحَ جهْلي حين تغيبُ عني حقيقة أو يُخْفِقُ لي رأيٌ، وإمَّا أكَّد قناعتي بصَواب موْقِفي حتَّى يَطْرأ ما ينْقضُه أو يصَوِّبهُ، ولا يُهمُّني بعد ذلك أنْ أكونَ غالباً أو مغْلوُباً، فالغَلَبةُ في النهاية للحقيقة، لا الأشخاص! ** * وسئلتُ يوماً عن موقفي (المعترض) على الكتابة اليومية، فقُلتُ ما معناه: (كنت أتَحدَّثُ عن نفسي تَخْصيصاً حين كَتَبتُ منْتَقِداً الكتابةَ اليومية، ولم أعْنِ بذلك تَعْميمَ الحكم على الكتّاب الآخرين وأكاد أجزمُ أن هناك كتَّابَ يوميات مبْدعين، ومثلهُم كُتَّاب أسبوعيات، وهناك كتابُ موسميون، منهم المبْدعُ ومنهم مَنْ هو دون ذلك، وهناك شَريحةٌ أخرى من الكتَّاب لا إلى أولئك ولا إلى هؤلاء! بَقيَ أنْ أقولَ في هذا السياق أن اعتراضي على الكتابة اليومية لا يمسُّ المبدأَ منها، بل (الوسيلة) في ممارستها حين تَتَحوّلُ إلى فعْلٍ رتيبٍ يُشْغلُ الفراغ ولا يُؤْتي أُكُلاً! ** * وعندي أن المؤهَّلَ الحقيقيَّ للكتابة، يوميةً كانت أو أسبوعيةً أو حوليةً، هو الموهبةُ أولاً، والتحصيلُ المتراكمُ من القراءة والتأَمّل والاستيعاب ثانياً، ثم القدرةُ على التَّعامل مع الحَرف الثريِّ فكرةً وأسلوباً ثالثاً. فالتَميّزُ في الكتابة لا يخْضَع لمعادلةِ الوقت ولا إمْلاَءات الظروف، ولكن بما يُضيفُه صَاحبُه إلى فَهْم القارئ، وعقلِه ووجدانِه من قيم المعرفة والحق والجمال! ** * وقفات قصيرة: العمرُ: طريقٌ ذوُ اتجاه واحد لكن له (مخارج) يحدَّدُها زماناً ومكاناً اللهُ ربُّ العالمين! الحرية: ممارسةٌ مسؤولةٌ تبدأُ من حيث تنتهي حُرِّيات الآخرين! اللسان: سيفٌ ذُو حدَّيْن.. فإما خَدمَك أو خَذَلك! الحياة: محطّةُ (عبُور) بين الميلاد والموت! الحُلمُ: فَضيلةٌ يحوِّلُها الإفْراطُ إلى ضعفٍ مهين!
|
|
|
| |
|