| |
سندات السعودة د. صلاح السليمان
|
|
لا أرى ثمة خلافاً على أن سعودة الوظائف قضية وطنية، وأن تنفيذها يترتب عليه أعباء مالية إضافية، سوف تظهر على تكاليف السلع والخدمات وبالتالي على أسعار بيعها؛ وأن الجميع على استعداد لتحمل نصيبهم منها، بدءاً بالمنشآت، وانتهاءً بالمستهلكين.. لكن، وما دام الأمر كذلك، فما الذي يدفع المنشآت، أو لنقل بعضها، إلى التهرب من عملية الإحلال، وتحقيق الحدود الدنيا لنسب العمال السعوديين، التي تحددها وزارة العمل من وقت لآخر، بينما تقبل، وإن على مضض، ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الأخرى كالمواد الخام والطاقة ونحوها؟ الجواب بسيط، وهو - إلى جانب أنه لا خيار لها في ذلك - اقتناعها بأن الارتفاع في تكلفة تلك المدخلات لا يمكن الاستثناء منه أو الالتفاف عليه، ويتم نقله تلقائياً إلى المستهلك النهائي، أما التكلفة الإضافية الناشئة عن توظيف السعوديين، فإن كثيراً من المنشآت تشك في التزام أو إلزام غيرها ببرامج السعودة، خصوصاً منافسيها المباشرين، وأنها بالتالي تخوض منافسة غير عادلة، لا تستطيع تحمل نتائجها. وهكذا تحاول تلك المنشآة، طبقاً لهذا التصور، أن تعمل بشتى الطرق على التهرب من توظيف السعوديين، بما في ذلك لجوء بعضها إلى الكذب والتزوير ودفع الرشاوي. مشكلة السعودة إذا، ليست تكلفتها الإضافية، التي سيتم تحميلها على المستهلك في نهاية المطاف، بل انعدام الثقة بعدالة توزيعها. فما العمل، وكيف يمكن تخطي أزمة الثقة تلك، وجعل توظيف السعوديين عملية مربحة، تتسابق إليها المنشآت، بدلاً من التهرب منها؟ الاقتراح التالي، الذي استمد منه عنوان المقال، يدعو إلى استحداث ما يمكن تسميته ب(سندات السعودة). وهي عبارة عن شهادات تقوم بإصدارها وزارة العمل للمنشآت التي تتخطى نسب توظيف السعوديين فيها النسب المقررة من الوزارة، حيث تصدر شهادة عن كل عامل توظفه الشركة فوق العدد المطلوب للوصول إلى النسبة الإلزامية. ويجوز للمنشآت حاملة تلك الشهادات، تأجيرها شهرياً أو سنوياً على المنشآت التي لم تتمكن من تحقيق هذه النسبة. وفي ذلك، تشجيع للمنشآت القادرة والراغبة في توظيف السعوديين، على الاستمرار في سياساتها، دون إحساس بالغبن، وتوفير خيار بديل للمنشآت التي تحتج بعدم توفر السعوديين. وحين تجد تلك المنشآت أن استئجار السندات سيكلفها أكثر من توظيف السعوديين، فإنها ستسعى من نفسها، ودون إلزام، إلى البحث عنهم. ولتنظيم وضبط تلك العملية وإنجاحها يجب أن يتم التداول، من خلال مكتب مخصص في فروع وزارة العمل، تسجل فيه العروض، والطلبات وحركة التداول، بحيث ينعكس انتقال السندات على نسب السعودة في المنشآت بالزيادة والنقص. ويترك تحديد سعرها للعرض والطلب تحت سقف معين تحدده الوزارة، وليكن ضعف تكلفة توظيف السعودي. فإذا ما تجاوز سعر التداول هذا السقف، يقوم صندوق الموارد البشرية بإصدار سندات تباع بهذا السعر، فيعزز الصندوق إيراداته من ناحية، ويضمن توفر تلك السندات لطالبيها باستمرار. وتقوم الوزارة برفع قيمة السقف إذا رأت أن المنشآت أصبحت تفضل استئجار السندات على توظيف السعوديين. أما إذا انخفضت الأسعار، فهذا يعني أن نسب السعودة المعتمدة قد تحققت أو أوشكت على التحقق، فتقوم الوزارة برفع النسبة. من المؤكد أن التطبيق العملي لن يكون سهلاً، خصوصاً مراقبة، المنشآت التي ستصدر باسمها السندات، وما يمكن أن يرافقه من محاولات للتحايل، وإصدار سندات لا تعكس النسبة الحقيقية للسعودة. فالفكرة ما زالت أولية، وتحتاج إلى بلورة وتطوير لآليات التطبيق والرقابة قبل تنفيذها.
|
|
|
| |
|