| |
كرسي الاعتراف الأمريكي بندر غازي
|
|
أكدت تجارب التاريخ في صراع الكيانات السياسية مع بعضها البعض، وخصوصاً في حالات الاحتلال والسيطرة القهرية على الأراضي واحتلال الدول واستعمارها، على أن المتجبر والمتسلط المحتل، قد جبل على إنكار سلبيات وعواقب احتلاله ومحاولة إخفائها سواء بالدعاية والتضليل أو بالإنكار والإخفاء، إلا أن الحالة العراقية الأمريكية، قد حدث بها ما يشابه الشذوذ في هذا الرصد التاريخي للسيرة الذاتية لمكونات المجتمع الدولي، فمن حين لآخر يخرج تصريح عسكري أمريكي هنا، أو اعتراف استعماري هناك، ليدلل ويشير بالبنان على سلبيات وكارثيات فلسفة الاحتلال المقيتة، وقد كان آخر هذه الاعترافات التي تأتي كنوع من جلد الذات للمؤسسة العسكرية الأمريكية، ما صرَّح به مدربون أمريكيون عن اختراق أجهزة الشرطة العراقية بنسبة وصلت إلى 70% من قبل ميليشيات الفوضى المذهبية، وفي مقدمتها ميليشيا جيش المهدي التابعة للتيار الصدري، التي تنتشر صور قائدها الغر مقتدى في مراكزها، وتعتلي مكاتب أفرادها في تعريف إجرائي واضح، ودليل واقعي يفقأ العين، على أهم وأبشع منتجات وإفرازات الاحتلال الأمريكي على الساحة العراقية، والمتمثل في إخراج المارد الطائفي والمذهبي من قمقمه، وطمس فلسفة الولاء للدولة الأم، واستبدالها بولاءات الحزبية المذهبية والفئوية الاثنية الضيقة، التي أصبحت من أهم مهددات الأمن العراقي القومي، ومن أساسيات ما يحدّق به من أخطار التقسيم، والتفتت إلى دويلات تتسابق في نهش بعضها البعض، كحصان طروادي يجمح ويركض في ميادين وفضاءات وولاءات أيدولوجية ومذهبية لدول إقليمية أخرى مجاورة للعراق، أجادت اللعب بأوراق القضية العراقية، ووضفتها بالدرجة الأولى والأخيرة لمصالحها البرغماتية والقومية، مما سارع بالبلاد إلى الانحدار لحالة من الفوضى والارتباك، في نسيجها الأمني والاجتماعي والسياسي، وهو ما حدا بقادة الجيش الأمريكي إلى التناوب في الجلوس على كرسي الاعتراف، والتأكيد في آخر تقرير صادر عن خريجي مدرسة البنتاغون أن حالة الفوضى هذه التي تغرق فيها البلاد موازية لزيادة أعمال العنف، التي ترتكبها الميليشيات مع قوات في الشرطة والجيش العراقيين عاجزة عن ضبط الأمن. وخلص التقرير إلى أن الزعماء السياسيين والدينيين في العراق يفقدون تأثيرهم على الناخبين ويزيدون في المقابل (تصريحاتهم العلنية العدائية). مما تقدم من هذه الاعترافات والإخفاقات، بواقع أول دولة تستهدفها أداة التغيير الأمريكية على خارطة الشرق الأوسط، وفي العالم العربي بالذات، فإن لسان العقل والحكمة إن أراد أن يكون لواشنطن ناصحاً أميناً فلابد له من القول إن استهداف الدول وتغيير نسقها السياسي وتفجير صمامات أمانها الأمنية والاجتماعية، بالاحتلال والقوة العسكرية، ثم الحديث بعد الغرق في الفشل حتى الأذنين، عن انسحابات تدريجية وزعم تهيئة أجهزة أمن وجيوش «مهترئة»، تُترك لها مصائر الدول المنهكة بتبعات وإرهاصات الاحتلال لتواجه مصيرها المجهول، أخطر بكثير من خطط استجلاب الديمقراطية ونعيمها المزعوم في مشاريع استعمارية مغلفة بغطاء برّاق من القيم الليبرالية والتحريرية كمشروع الشرق الأوسط الكبير.
bharbi@gawab.com |
|
|
| |
|