| |
نهارات أخرى عزلة فاطمة العتيبي
|
|
** حينما كنا نعتزل من أجل أن ننسج الأحلام الجميلة من مخيلة تحاول الهروب من حواجز الواقع.. كنا نكتب.. كنا نتدفق على الورق مثل مخلوقات جديدة ومشبعة برحيق الحياة الخفي الذي يحدس بالمدهش واللاعادي! ** وحين شرعنا برحلة التنفيذ وتشكيل الأحلام إلى برنامج عمل واقعي نعيش وسطه ونبنيه.. غرقنا في لجة التفاصيل وأغلقت المخيلة مغارتها السحرية.. ورمت بنا في مغارات العادي والمكرور واللاهث خلف تعبئة الحيز الذي لا يمتلئ ولا وسع عليه بالامتلاء.. فهو فاغر فاه دائماً مهما ترمي له من ريق الحبر وطعم الكتابة (السريع). ** أدهشني (إبراهيم الكوني) الروائي والناقد الليبي، إنه يعتزل الحياة يمطر سرداً وقصاً يملأ الحيز تماماً ويفيض.. ويرى أن المبدع الذي تسرقه الأضواء الآنية وينشغل بالتواجد.. لا يتواجد وإن ظن أنه متواجد.. ويطلب من المجتمع أن يكف عن الضغط على المبدع كي يكرر عمله الإبداعي بل لا بد أن يسعى المجتمع إلى منع المبدع من التكرار.. والسقوط في دائرة الضوء الهشة.. ** الصحراء التي يراها الناس بسفاهة وتفاهة أنها معادل الموت والعطش والرمضاء والفناء.. يراها أنها المخيال.. إنها البقاء.. إنها الصورة الأصدق للإنسان في عراكه وحراكه باتجاه الحياة! ** المبدعون السعوديون حتى الآن.. عدا عبد الرحمن منيف لم ينجزوا عملاً أدبياً يمثل حفائر حقيقية في التكوين الإبداعي.. وذلك لأن المبدع مشغول بالعادي والتفاصيل الحياتية التي تفني الوقت وتستهلك المخيلة فهو يلاحق أطفاله ومدارسهم وبناء بيت ملك لهم ويوصل زوجته للعمل أو للسوق.. ويعمل موظفاً في الصباح لا بد أن يوقع قبل الخط الأحمر! والمبدعة كذلك تفني حياتها في إرضاء الزوج ونجاح الأطفال حتى لا يقال إنها فاشلة اجتماعياً تذهب لزيارة (النفساء) من قريباتها وصديقاتها حتى لا تتهم بالإقصاء الثقافي تركض خلف كل حفل خطابي وندوة مكررة لتحقق التواجد الإعلامي وتثبت فاعليتها في دعم العمل النسوي! * لا يمكن لحياة راكضة لاهثة.. مشدودة إلى الرتم العادي الذي يستحق المخيال الإبداعي.. لا يمكن أن يكون لدينا إلا أعمال روائية هي مثل فقاعة ممتلئة بالوهج الأول لتحظى التابو الاجتماعي.. لذلك كل أعمالنا محتشدة بعلاقات الهاتف والإنترنت وجمس الهيئة والحب المحتجز في زنزانات المحظور الاجتماعي.. ولهاث أنثوي محموم نحو الرجل الذي يعيش لرغباته وحسب لا شيء جديد.. لأن لا ثمة عزلة.. ولا ثمة سفر في الخيال ولا ثمة علاقة مع مجاهيل الصحراء.. وأسمنت المدن.. لا تجربة صامدة في وجه الاستهلاك السريع للكتابة والوقت.. ** تجربة عبد الله الغذامي في العزلة سواء كانت اختيارية أو قسرية أثمرت عن كتب ثقافية هامة جعلت من الغذامي علامة نقدية سعودية.. * وتجربة سلمان العودة في العزلة أيضاً.. أنتجت تغيراً فكرياً هاماً ومشاريع إصلاحية تركت بصمة في مسيرة الفكر السعودي العام. ** عبد العزيز مشري ترك أعمالاً جيدة في عزلته المرضية ويمكن لو امتد به العمر أكثر لكانت تجربته أخرى! ** العزلة مع الكتب والتأمل والصمت وبياض الورق وزرقة الحبر وفنجان القهوة هو المتحدث الوحيد بجانبك.. هي رهان المبدعين وشاحذ المخيال المدهش.. وعزلة المبدع تحتاج إلى رعاية مؤسساتية تتطلع إلى مردود فكري لا يقدر بالمال.. لكن أين هي المؤسسة الثقافية التي تدفع تأميناً مقابل عزلة المبدع..!!!
Fatma otibi@hotmail.com |
|
|
| |
|