| |
في فراق أخَوَين غالِييْن عبدالرحمن الشبيلي
|
|
في مقاربة غيبيّة، لا يُدركها تصوُّر البشر، يلحق الأخ الأكبر بأخيه الأصغر، في أقلّ من شهر، في ظروف صحية متشابهة، لتؤكِّد، أنّ الأرواح، طيوراً وآدميين، أفراداً وأزواجاً، هي جنودٌ مجنَّدة، تأتمر بأمر بارئها، بينما لا يعرف الخلق إلى أين يسير، ومتى وأين يموت. الأول: ابن عم كريم، عرفته منذ طفولتي المبكّرة، وعلى مدى نصف قرن، إلى أن ودّعته على جبينه في آخر لقاء، عندما أحسست بأنّه الوداع الذي لا اجتماع بعده، في (عِشْرة عُمر) طويلة، جمعتنا بها الأيام بذكرياتها، بحلْوها ومُرِّها، وعلاقةٍ حميمة، ظلّلتنا فيها المودة والاحترام والثقة الصادقة. لم يتبوّأ منصباً، ولم يتقلّد وظيفةً، لكنه - من دون رياء أو مبالغة - تسنّم عرش الأفئدة، بتواضعه ودماثة خلقه، ولِين جانبه، وبرِّه بأهله وبديانته، وبسعيه في أمور أقاربه بالخير والإصلاح. إنّه الشيخ سليمان بن محمد السليمان الشبيلي، الذي لقي وجه ربه يوم السادس عشر من رمضان المبارك الفائت. وأمّا الثاني، فإنّه أخوه الشيخ أحمد بن محمد السليمان الشبيلي، الذي اختاره المولى إلى جواره فجر أمس الجمعة، الثاني عشر من شهر شوال الجاري، وهو بالنسبة لأُسرته وعارفيه نهرٌ من الصفاء والخلق الرفيع، يمشي على الأرض هوناً، يتفوّق بأدبه الجم على ما سلكه في دروب الوظيفة والجاه، مرّ بأصعب مِحَن، لكنه ظلَّ يفكِّر في هموم غيره قبل نفسه، ويضفي البسمة على شفاه مَن حوله، بينما يكتم الألم في أعماق خاطره. فَقَدَ زوجته بعد عِشْرةٍ ومعاناة، ثم لحق بها ابنهما الشهيد، شاب طالما افتخرت الأُسرة بتفوّقه، (الكابتن خالد) الذي قضى في حادثة الجامبو السعودية، قبل عشرة أعوام في أجواء الهند (أكتوبر 1996م)، ثم احتسب الأب ابنه ماجد قبل سنوات قليلة، ليلحق بأُمّه وأخيه. الأخوان المتوفيان اليوم:- سليمان (70) عاماً وأحمد (80) عاماً هما سليلا صُلب نجيب، ومحتد كريم، هو والدهما، طيِّب الذِّكر الشيخ محمد السليمان الناصر الشبيلي، الذي تشهد المراسلات المدوّنة، صداقة حميمة تجمعه مع مؤسِّس هذا الوطن طيَّب الله ثراهما، وتشير إلى محبة متبادلة تجعل الإمام الراحل يختار الإقامة في منزله في عدد من زياراته إلى مسقط رأس العائلة (عنيزة). كما يسجِّل الرواة، أنّه كان ممّن لحق بالإمام عبدالعزيز، وهو يعود مكسور الخاطر من القصيم إلى العاصمة (الرياض) بعد خسارة معركة البكيرية، ليقنعونه بالعودة، وإعادة الكرّة على مناوئيه في موقعة الشنانة، التي كتب الله له فيها الانتصار. رحم الله السابقين واللاحقين، وأكرم نزلهم في دار القرار.
|
|
|
| |
|