| |
قطرات أخرى وسيلة محمود الحلبي
|
|
القطرة الأولى.. العلم بين الكم والكيف عام جديد بدأ به الطلاب والطالبات لينهلوا من التحصيل والمعرفة كل جديد ومفيد وقيم.. وحيث إن التعليم قد أصبح شيئاً أساسياً في عالم اليوم، فهو مثل الماء والهواء، كما أصبح حقاً مشروعاً من حقوق المواطن والمقيم، بل إنه واجب وطني واجتماعي لا بد منه.. لذلك نرى أن الإنسان يقضي حوالي ثلث عمره في التحصيل العلمي. كما أصبح الاستثمار في التعليم من أكبر مجالات الاستثمار القومي ويخصص له جزء مهم من موارد الدولة الاقتصادية. كما أصبح حوالي نصف سكان أي بلد تتعلق حياتهم بالتعليم ولم يعد التعليم حكراً على أية فئة من الناس دون غيرها كما كان الحال في الماضي البعيد. لذلك لا بد أن نعطي التعليم وأساليبه الاهتمام الأول؛ لأن طلبة وطالبات اليوم هم رجال ونساء المستقبل وبهم تتحدد مسيرة الأمة وعلو وانخفاض شأنها في المستقبل. أسئلة تمر بخيالنا: لماذا نتعلم؟! وما الهدف من وراء التعليم؟ وهل نتعلم رغبة في المعرفة فقط؟ أم أننا نتعلم لتحقيق منفعة ما؟ ولا أعتقد أننا نطلب العلم من دون هدف فنحن نتعلم لنرتقي بحياتنا وبمعيشتنا ولنرفع به من مستوانا ونحقق به أهدافنا وطموحاتنا، والعلم الذي لا ينفع أضر من الجهل (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع). فإذا كان الهدف هو كمية المعلومات من دون التركيز على كيفية الاستفادة من هذه المعلومات، فنجد أن نسبة كبيرة من المتعلمين لا يستطيعون الإفادة الكاملة مما تعلموا إما لعدم قدرتهم على تطبيق ما تعلموه، أو لعدم قدرتهم على استيعاب تلك المعلومات، لذلك فإن فلسفة التعليم يجب أن تقوم على توفير العلم النافع والمنفعة تتحدد بالحاجة والحاجة أم الاختراع، والمدرسة ليست عبارة عن (صف)، بل هي علاقة متبادلة بين الطالب والمعلم، فإن مهمة المعلم توفير المعلومات التي يحتاج إليها الطالب وفتح المجال أمامه لمعرفة كيفية الاستفادة بهذه المعلومات في حياته الحالية والمستقبلية، وتنمية حب المعرفة والاستطلاع والاكتشاف لدى الطالبات، ولا يمكن أن يتم ذلك إن لم يكن المعلم نفسه قادراً على نقل المعلومات بالأسلوب الملائم. إن الأساليب التعليمية لا تقل أهمية عن المناهج الدراسية ولذلك لا بد من الاهتمام بإعداد المعلم إعداداً جيداً والاهتمام بنوعية المعلمين وخصوصاً في المراحل الأولى من الدراسة. وهنا أيضاً لا بد أن أركز على علاقة المعلم بالمتعلم والتي يجب أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل أي لا بد أيضاً للمعلم أن يحترم الطالب، ولا ننسى أن الثقافة التقليدية كانت تمتد فقط على احترام الطالب للمعلم. ولكن لابد من الاحترام المتبادل بين الطرفين ولا ننسى أن النظريات التي لا يمكن تطبيقها تفقد قيمتها العلمية وتصبح في عداد (العلم الذي لا ينفع) فلا بد إذن عند شرح النظريات من إعطاء أمثلة تطبيقية عليها، بل يجب التركيز على المعلومات التي لها تطبيقات مختلفة ومتعددة، والتقليل من كمية المعلومات التي ليس لها سوى استعمالات نادرة أو تحدث تحت ظروف بعيدة الحدوث. لذلك يجب الاعتماد على الكيف في التعليم وليس على الكم لكي نحقق مزيداً من المنفعة للفرد والمجتمع. القطرة الثانية.. الأمانة في العمل والمعاملة من الأشياء التي تثلج الصدر وجود جيل من الشباب الطموح في أماكن عملهم يتعاملون مع مراجعيهم بروح طيبة وأخلاق عالية رغم زحمة العمل عليهم وتعنت بعض المراجعين وهذا الوضع ينطبق على معظم العاملين في كافة المجالات باسثناء بعض الشواذ إذ (لكل قاعدة شواذ). والعمل أمانة ملقاة على عاتق المواطن والمقيم العامل، وهذه الأمانة عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان لذلك يجب على المسلم أن يؤدي عمله بأمانة وإخلاص، إلا أن هناك فئة شاذة من الناس غير مدركة لأهمية هذه الأمانة. فمن صفاتهم النرفزة التامة وحب الظهور والسيطرة والوجاهة والظلم والافتراء على الآخرين وذلك بحكم مركزهم الذي هم فيه. فيظلمون هذا، ويسيطرون على ذاك بحكم تنفيذ أغراضهم السيئة وراء المكاتب التي يجلسون عليها وهنا أشدد (بعضهم وليس الكل) وإما تنفيذ أوامرهم على الموظفين وإلا الويل لمن لا ينفذ والنتيجة (الفصل من العمل) أو الحسم المتكرر دون سبب والموظف المسكين ماذا يعمل.. ليس بيده حيلة إلا أن يقول (حسبنا الله ونعم الوكيل) وأنا بدوري أقول لهؤلاء المسؤولين وبكل صدق وأمانة: إن مكاتبكم لا تدوم لكم، فمتى تصحو ضمائركم ومتى تستنير قلوبكم ومتى تضعون نصب أعينكم اسم الله لأنه قادر أن يبدل أحوالكم.. فالظلم صفة غالباً ما يقع فيها أناس أبرياء، أو قد يكون الوقوع فيها عفوياً دون قصد، المهم أن المظلوم يتحمل ما ينسب إليه بحذافيره وقد يكون المتهم قادراً على الدفاع عن نفسه وواثقاً منها تماماً ولكن يجد التهمة تهز كيانه وتفقده أعصابه وتلعثم لسانه ولكن هيهات أن يستمر الظلم، فالله لا يضيع حقاً أبداً فإنه (يمهل ولا يهمل)، فقد يكون هناك ثغرة بسيطة جداً تسطع من خلالها الحقيقة بضوء قوي جداً لتحجب كل شعاع خدّاع ينطفئ من مجرد نسمة هادئة، فتظهر شمس الحقيقة محرقة على تلك الإضاءات الباهتة وإن طال أمدها، فما أجمل البراءة يا لها من كلمة عذبة يرتوي منها عطاشى الظلم، وما أشد جمال إشراقة الحقيقة، والأكثر جمالاً أن يعيش الإنسان مظلوماً على أن يعيش ظالماً إذا تعذر ظهور الحق. وكم من أناس شربوا جرعات كالعلقم، من سم الظلم دون ذنب ارتكبوه وبات أصحاب الذنوب يلهون ويمرحون متناسين ما خلفوه من بعدهم. فقد نظلم الآخرين بشهادة الزور، أو نظلمهم بظن السوء فيهم، أو نظلمهم عند وقوعهم في الخطأ دون قصد أو نحكم على تصرفاتهم حسب أهوائنا، أو نظلمهم كي نرفع عن أنفسنا عناء ذنبنا، أي نظلمهم بأن ننسب إليهم أعمالاً وأقوالاً بقصد إبعادهم عن أماكن رزقهم أو للتشهير بهم )وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( والله باق.. ولن يضيع حق أحد مهما طال الأمد.. ولا ننسى أن (الظلم ظلمات يوم القيامة). القطرة الثالثة.. إياكم والغضب الغضب من الرذائل الخلقية التي إذا تحكمت في نفوس الناس وتمكنت من مجتمعاتهم كان لها أسوأ الأثر في حياتهم ونتائج بشعة في تمزيق روابط المودة بينهم فالإنسان حين يشتد غضبه يفقد الرشد والصواب ويصبح وحشاً ضارياً لا يدري ما يفعل، ويظهر أنه بذلك يظهر بمظهر الطائش الأحمق وهو لا شك خاسر لأن الغضب يعتبر شروعاً في الاعتداء بينما يعتبر الحلم دليل فطنة ورجاحة عقل. كما أن الانفعال الذي يثيره الغضب ضار بصحة الإنسان، وقد أثبت الطب ذلك لذا فإن الإسلام جعل من صفات المتقين الذين يستحقون رضوان الله عدم الاستسلام للغضب، قال تعالى في وصفهم: )وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(. فالغيظ هو أشد الغضب وكظم الغيظ هو الإمساك على ما في النفس من الغضب حتى لا يظهر له أثر ولا يدعو القرآن الكريم إلى كظم الغيظ فقط، بل يدعو إلى العفو عن المعتدي الذي أثار الغضب ومقابلته بالإحسان، فالإنسان لا يثار غضبه إلا عند الاعتداء عليه أو انتقاص حقه من الغير والعفو والإحسان من أرفع منازل السمو الخلقي التي يمكن أن يسلكها إنسان عند فوران غضبه، فالإنسان في غضبه حاكم غير منصف لا يرى في وقت الغضب الصواب لذلك تأتي أحكامه بعيدة عن الحق، لهذا جعل الإسلام من صفات المؤمنين العفو عند الغضب، قال تعالى: )وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ(، كذلك دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى مجاهدة النفس وامتلاكها عند الغضب من امارات البطولة فقال: (ليس الشديد بالصرعة وإنما القوي من يملك نفسه عن الغضب). فعلى الذين ينشدون الرقي الأدبي أن يتعودوا امتلاك نفوسهم ويبتعدوا عن كل نزوة يبثها الانفعال الطارئ فينطلق بها الفم قبل أن يمحصها العقل فإنهم أحرى بذلك أن يجتنبوا مشاكل لا حول لهم بها. قطرة حب: أنت وحدك زرعتني فرحاً، وملأتني أدمعاً ورويتي حباً، ورويتني وجداً أنت وحدك دثرتني دفئاً، وحناناً، وصقيعاً وثلجاً أنت وحدك تلمس إنسانيتي، وأنوثتي وفجأة تقتلع جذوري أنت وحدك بحري ومحيطي وشاطئي.. وأنا بركانك الذي به تنفجر.
* كاتبة ومحررة صحفية
|
|
|
| |
|