من الأشياء التي جعلت أعمال محمد يونس الفائز بجائزة نوبل مميزة ويستحق عليها هذا التقدير العالمي أنه كان يقدم قروضاً لملايين الفقراء بدون فوائد أو ضمانات فضلاً عن الهبات والمساعدات وذلك من أجل دعمهم لإنشاء مشروعات صغيرة خاصة بهم, تتراوح بين توفير الآلات و معدات زراعية بسيطة أو عدد من رؤوس الماشية أو عربة نقل صغيرة و غيرها. وكان يهدف من وراء ذلك إلى إخراج الفقراء من دوامة الفقر, ذلك أنها دوامة متى دخلها أحد أصبح من الصعب جداً أن يخرج منها بدون مساعدة خارجية. ومشكلة الفقر في كثير من الحالات أنه تجذر وأصبح إرثاً يورثه الأب لأولاده, فالعائلة غدت عاجزة عن الخروج من هذا المأزق بقدراتها الذاتية. وتحول كل ما تحصل عليه من دخل إلى الإنفاق على الأغراض الاستهلاكية الآنية, ولم تعد قادرة على الإنفاق على تعليم أولادها وإكسابهم مهنة أو حرفة تدر عليهم دخلاً مناسباً, ناهيك عن توفير رأسمال يمكنهم من إنشاء مشروعات توفر لهم مستوى معيشي مناسب. وقد أوضحت بعض الدراسات أن مشكلة الفقر تزداد حدة عبر الأجيال إذ وجد أن هناك تفتيتاً هائلاً للملكيات داخل الأسرة عندما يعجز أفرادها عن توفير مصادر دخل مستقلة لكل منهم. فالمنزل بعد أن كان مملوكاً لأسرة واحدة يصبح مملوكاً لعدة أسر يتحدد عددهم بعدد الأولاد, وكذا قطعة الأرض الزراعية والمحل. ولا تختلف طبيعة المشكلة في المملكة عنها في بقية الدول, إذ توصلت مجموعة من الدراسات عن الفقر إلى أن من خصائص الفقراء معاناة أفراد أسرهم ممن هم في سن العمل من تدني مستوى التعليم والتأهيل الأمر الذي يحرمهم من الحصول على فرصة عمل مناسبة, ذلك أن الموارد المالية المتاحة للأسر الفقيرة لا تمكنها من تفريغ أولادها للدراسة في مراحل التعليم العام فضلاً عن التعليم الجامعي, كما أنها قاصرة عن تمكينها من الاستثمار في تعليمهم و تأهيلهم. والمطلع على قضايا التعليم الجامعي وهمومه يشاهد هذا حقيقة ماثلة, فهناك صعوبة بالغة في أن يلتحق أولاد الأسر الفقيرة بالتعليم الجامعي وخاصة بالتخصصات المرموقة وإكمال دراستهم بتفوق حتى و إن كان لديهم الاستعداد النفسي والقدرات الذهنية والعلمية. وفي ظل هذه الحلقة المفرغة يتجذر الفقر ويصبح الخروج من دوامته بدون قوة خارجية تحرر ضحاياه من أسره أمراً شبه مستحيل.. وتتنوع صور هذه القوة تبعاً لطبيعة المشكلة والبيئة المحيطة والفئات المستهدفة لكنها تظل مكوناً أساسياً من مكونات أية سياسة علاجية.
|