| |
فيض الضمير العلاقات السعودية اليمنية (7-8) من اتفاقات الجوار إلى الشراكة الاستراتيجية د. محمد أبوبكر حميد
|
|
لم تكن اتفاقية جدة التاريخية التي وقعت بين المملكة واليمن في 12 يونيو سنة 2000م التي أنهت خلافاً على الحدود بينهما دام ما يقرب من 70 عاماً، إلا ثمرة لجهود من النوايا الحسنة بذلها الطرفان على مدى 30 عاماً، فإن الدارس لكافة اتفاقات التهدئة والجوار التي وقعتها الجارتان الكبيرتان تؤكّد على وعي القيادات في البلدين بأهمية الوصول بهذه الاتفاقات إلى الشراكة الاستراتيجية سياسياً وأمنياً واقتصادياً بصفتها (حتمية) لا يفوقها من حيث الأهمية أي اتفاق مع أي جوار آخر للوطنين، وقد أثبتت الأحداث أن حل مشكلة الحدود السعودية اليمنية قد أنهى مشاكل الحدود مع كافة الدول الأخرى المجاورة، وأعطاها شعوراً بأمن المنطقة واستقرارها باتفاق أكبر قوتين فيها. وللتأكيد بأن اتفاقية الحدود النهائية سنة 2000م ما هي إلا نتيجة حتمية لما سبقها من شعور عميق لدى الطرفين بأهمية الشراكة الاستراتيجية المستقبلية، فقد بدأت علاقتهما السياسية والدبلوماسية بالدعم والشراكة الاقتصادية، تأكيداً لحقيقة أن القرار الاقتصادي يعكس مصداقية القرار السياسي في عالم يستحيل فيه الفصل بين السياسة والاقتصاد. وبناء عليه كان الاتفاق منذ البداية بين الجارين في 20-5-1975م على مساهمة الجانب السعودي في رأسمال الخطوط الجوية اليمنية الساري المفعول إلى الآن، وبعد أقل من ثلاثة أشهر تم الإعلان في 4-8-1975م عن إنشاء مجلس التنسيق السعودي اليمني، ومنذ ذلك الحين وهذا المجلس يعمل لتوثيق الروابط والتنسيق السياسي والأمني وتكريس التعاون الاقتصادي حيث قدمت المملكة العربية السعودية خلال الثلاثة عقود الماضية دعماً سخياً لمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن في مجالات الطرق والصحة والتعليم والزراعة والاستثمار. ولم تستطع الأزمة السياسية بين البلدين التي نشبت في صيف 1994م أثناء حرب الانفصال في اليمن أن تعوق سبل التفاهم، فسرعان ما عاد الصفاء والود حيث أعلن الملك فهد بن عبدالعزيز في اجتماع مجلس الوزراء السعودي في 14-2-1995م عن استعداده لإنهاء الخلاف مع الإخوة في اليمن الشقيق على أساس قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، وأعلن في الوقت نفسه الرئيس علي عبدالله صالح أن (الخلاف مع السعودية خلاف أشقاء لا غنى لبعضهم عن بعض، واليمن والسعودية وطن واحد)، وشعب واحد، وانتهت هذه النوايا الحسنة إلى توقيع مذكرة تفاهم تاريخية في ليلة مباركة، ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان 1417هـ الموافق 26 فبراير 1995م، أعادت الشرعية لمعاهدة الطائف وأكدت الالتزام ببنودها وأهمها التعاون الأمني الذي يمنع استخدام أراضي طرف ضد الطرف الآخر، والتعهد بالبدء في حل مشكلات الحدود. وكانت زيارة الرئيس علي عبدالله صالح للمملكة استجابة لدعوة الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في 5-6-1995م وانعقاد أول قمة سعودية يمنية منذ حرب الخليج الثانية إذابة لكافة أنواع الجليد بين الوطنين الجارين، وقد أثمرت هذه الزيارة المهمة عن توقيع وزيري الداخلية في الوطنين على اتفاقية التعاون الأمني بينهما في 27-7-1995م وبإنهاء موضوع الهاجس الأمني وهو أحد الأركان الركينة للشراكة الاستراتيجية السعودية اليمنية، زاد التدافع نحو استكمال عناصر شراكة الأشقاء زار الأمير سلطان بن عبدالعزيز صنعاء في 28-8-1996م على رأس وفد رفيع المستوى للمشاركة في اجتماعات اللجنة السعودية اليمنية المشتركة، حيث تبرع الأمير سلطان بمبلغ 10 ملايين دولار لسفلتة طريق تعز جبل صبر، كما افتتح مستشفى قدمة هدية من المملكة بكلفة 100 مليون ريال سعودي. وأسفرت هذه الزيارة عن توقيع أهم اتفاقية اقتصادية بين الوطنين حتى تاريخها في 15-4-1417هـ الموافق 29-8-1996م، لتنسيق التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري. وتعد هذه الاتفاقية الاقتصادية ثاني الأركان الركينة في الشراكة الاستراتيجية بعد الاتفاقية الأمنية. أما الركن الثالث فكان في اللقاء التاريخي الذي جمع الرئيس علي عبدالله صالح بسمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز في مدينة كومو الإيطالية في سبتمبر 1997م، حيث تم فيه الاتفاق عملياً على إنهاء مشكلة الحدود بقرار سياسي يُغلِّب المصلحة الكبرى في الشراكة الاستراتيجية بين الجارين على الخلافات الفنية في المسائل الحدودية، وهو ما تم تنفيذه في 12-6-2006م باتفاقية الحدود النهائية الشهيرة. أما الركن الرابع في بناء أساس (الشراكة الاستراتيجية) بين الوطنين الكبيرين فهو الإنجاز الذي تم في الزيارة التاريخية التي قام بها سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز لمدنية المكلا عاصمة محافظة حضرموت بالجمهورية اليمنية في 5-5-1427هـ الموافق 1-6-2006م على رأس وفد سعودي كبير ضم أربعة عشر وزيراً للمشاركة في الدورة السابعة عشرة لمجلس التنسيق السعودي اليمني. وقد عبر حجم الوفد الكبير الذي رافق الأمير سلطان عن أهمية الزيارة التي كانت تاريخية واستراتيجية بكل المقاييس، حيث تم التوقيع على تسع اتفاقيات كلها اقتصادية ما عدا اتفاقية الخرائط النهائية للحدود، والاتفاقات الأخرى كانت في مجال المحافظة على التنوع الاحيائي وتنفيذ مشروع طريق حيدان - الجمعة المندلة، وتنفيذ مشروع طريق مجد غمر بمحافظة صعدة فضلاً عن تنفيذ مشروعات طرق في مناطق أخرى بتمويل سعودي. كما تم الاتفاق على تمويل عدد من مشروعات الكهرباء، وتوقيع اتفاقية للتعاون الجمركي ومذكرة تفاهم في الشؤون الاجتماعية والثروة السمكية. وأثناء هذه الزيارة عقدت اجتماعات بين رجال الأعمال في البلدين تم الاتفاق فيها على العديد من المشروعات، كما تم توقيع عقد إنشاء الشركة العربية اليمنية للأسمنت بتكلفة 260 مليون دولار برأسمال سعودي يمني. وتم أيضاً الاتفاق على تأسيس شركة قابضة سعودية يمنية برأسمال 100 مليون ريال سعودي وذلك بهدف تأسيس مشروعات بنية تحتية في التعليم والصحة والتعدين والأسماك والزراعة والسياحة، وتطوير سبل مساهمة البنوك والمؤسسات التمويلية السعودية اليمنية في تبني المشروعات الاقتصادية المشتركة، فضلاً عن توسيع وفتح مناطق تجارية حرة على الحدود تسهل حركة البضائع بين الوطنين. وقد أعلن سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز عن تبرع المملكة بمستشفى جامعي عالي الكفاءة هدية من حكومة خادم الحرمين الشريفين لجامعة حضرموت، وقدم منه شخصياً مركزاً متقدماً لعلاج أمراض السرطان وكلية للتقنية بمناسبة زيارته لمحافظة حضرموت لأول مرة حيث قرر المسؤولون إطلاق اسمه عليهما تخليداً لذكرى هذه الزيارة التاريخية الناجحة التي اكتملت بها أركان الشراكة الاستراتيجية بين الجارتين الكبيرتين.
hemaid1425@yahoo.com |
|
|
| |
|