من الطبيعي أن يبدأ موضوع كهذا بما يذكرنا بالتقوى وحسن العبادة، والحمد لله أن الإشارة سابقة بثبات ما تشير إليه، وعامرة به الأعماق من نفس وعقل كل مسلم بإذن الله.
الأجل.. إنه يقابل مسيرتنا، على الطريق تسير بنا الخطى ما بين فناء وبقاء قد يقصر أو يطول.
والحركة على الطريق بماديات الجسد، وروح بها نحيا فتعي العقول وبها لنا وجود.
ومن على الطريق الكثير من المجهول، والإنسان مشدود إليه بأشد ما يكون الفضول، حيث تقوى وسائله في سبيل ذلك، وقد يوفق لمرات وإن كان الإخفاق قرينا لهذا.
والكل متفق على وجود المجهول، وإن لم يتفقوا على اسم واحد يدل على تفاصيله، وكل واحد منا مختلف عن الآخر بالدافع والهدف، وحالة الاختلاف هذه لا تمنع أن يكون المسير على نفس الطريق، وما التباين إلا نتيجة بما يسأل به أحدنا عن هذا المجهول، وفي كل الأحوال فإنه محصلة لكثير من الأسئلة من حوله وتلح على اقتحام أسراره.
إنها تساؤلات تراكمت من خلال التأمل الذي يحدق في كل شيء من حوله، وأحيانا فإن الخيال مصدر له، وهو وسيلة بأصل الشيء الذي أوحى به.
وقبل الأجل البعض منا تسرع به الخطى لمزيد من المكاسب يستعد بها ليوم الأجل، ومن حقق بعضا من النتائج خلال رحلة يتواصل معها جهد الحركة نحو الهدف. وحينها تأتي النائج بما يرضي الإنسان في سعيه، فينعكس بمزيد من الخير لصالح البشرية، ومن هؤلاء طلاب العلم بتعدد نواحيه ونتائجه.
وتستمر الحركة من على الطريق لنجد فئة أخرى من أدباء ومفكرين وفلاسفة قد أضافوا للحياة وفرة من الإنتاج، بما ينفع البشرية بأكملها.
وآخرون يسعون كل في مجاله، وما يجيد الحركة نحوه، فهي حركة بفعل ونتائج، وبهذا كله تعمر الأرض ويؤدي الإنسان رسالته، وما كلف به، ولكل جهد واجتهاد أجر وثواب إن شاء الله.
وجميعنا يعلم أننا نولد بلا علم، ومع كل مرحلة من النمو ندرك أننا نجهل الكثير، وما نجهله حافز لطلب المعرفة لنجد أننا على نفس الطريق نسير، باستثناء من هم على مجتمعهم متطفلون، فلا معرفة، ولا انتماء، ولا هوية، ولا عمل؛ فهم جثث تتحرك على طريق ضاعت أهدافه.
وقد يكون السبب في هذا غلبة الأهواء التي يدفع بها الجسد، حيث لا سمو بالروح والفكر، والمقابل لذلك مسير له إيجابياته التي تعتمد على صوت خافت للجسد لتسمو الروح وينشط الفكر، والحارس لهذا كله الملكة الروحية لدى الإنسان.
قبل الأجل، لمن له على الطريق وجود ومسير، فالتوازن مانع للسقوط، ودافع للمزيد من كسب عائده تمهيدا لخير، أو خير قد تحقق لصالح الإنسان.
إنه إنجاز من أجل الخير، وذلك باعث على إحساس نفسي جميل ونشوة للعقل تميز كل مسعى يُبذل قبل الأجل فتطمئن به النفوس، وعائد آخر يسهل معه إدراك المعنى، وما وراء يوم الأجل.
ومن تحقق له ذلك فلا قلق، ولا خوف من ساعة الأجل، وهذا تأكيد لأصالة الانتماء الإنساني التي رحابها من الروح أقرب، وهي قاهرة لأهواء الجسد ومطالبه، حيث إنها مطالب بلا وظيفة من وظائف الحياة، ومحصلته حسن الأداء نحو رعاية الجسد وفق نواميس من خلقه.
ومن وفق مسيره أصبح في منأى من السقوط إلى الأعلى أو سقوط إلى الأسفل حيث لا انحراف عن يمينه أو شماله.
وقبل الأجل، من التفت إلى إخوان الإنسانية المعذبين في الأرض بتوجه يملأه الصدق والحرص على المشاركة، حيث وجب أن تكون التفاتة هدفها رعاية تتفهم واقعهم فتزيد قدرة العطاء بمودة بين الإنسان وأخيه.
تبدأ بكلمة طيبة بتلازم من الخير، والقاعدة في هذا أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه.
وقبل الأجل؛ لندرك أن عقولنا جائعة دون أن نحس بألم لذلك الجوع، ولكن من خلال شواهد ما نجهل، فإن التوجه نحو العلم والثقافة، وحسن الخلق كفيل بتأمين ما ينمو به العقل ويستقر.
فالعقل ذو سعة تستوعب المزيد من كل مصدر - العلم - الثقافة - الخبرة - والتجربة.
ومن يمارس ذلك لا بد أن يحس بمتعة ولذة فريد طعمها ولونها، حيث صحة العقل تضفي من الأثر الإيجابي على الجسد ما يستقيم به شأنه.
وقبل الأجل، فإن القلوب تتقلب فهي شديدة الحساسية للبقع السوداء، يسهل التلطخ بها، فلنطهر قلوبنا لتبقى نقية بيضاء قبل الأجل.
وقبل الأجل، الاستعداد له بقلب مطمئن، وأمل بلا حدود، ومزيد من حسن الظن برحمة رب العالمين بعزة جلاله ومطلق جماله.
وقبل الأجل، كثير وكثير يجب تداركه، والإنسان أعلم بنفسه ليبدأ رحلته مع حياة الخلود، فالرحمة والمغفرة بإذنه تعالى أمل منتظر إن شاء الله.
وعن الأجل قال من قال:
الحياة العقيمة موت مسبق
(غوته)
***
استقبال الموت خير من استدباره
(حكمة عربية)
***
البشر يخشون الموت مثلما يخشى الأولاد الظلمات.
(فرنسيس بيكون)
***
كلما كان الرجل فاضلا قل خوفه من الموت.
(صموئيل جونسون)
***