| |
وعلامات من أدب الرسائل 1-3 عبدالفتاح أبو مدين
|
|
كان لرسائل الأدباء عهد جميل فيما مضى، والذي يطالع تلك الرسائل التي كان يخطها كاتبوها من جماعة الترسل، يجد فيها مذاقا عذبا وأسلوبا أخاذا جميلا، لا سيما تلك التي كان يكتبها البلاغيون ورجال الدواوين، إنها قطع أدبية أخاذة رائعة، والذي قرأ (رسائل البلغاء)، التي جمعها الأديب الكبير محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي في الشام يومئذ، الذي قرأ تلك النماذج الفنية المتميزة، يتمنى أن يجد الكثير للجاحظ وأمثاله من البلغاء.. وفي العصر الحديث كان هناك رسائل لمن عني بهذا النموذج الأدبي، مثل رسائل الرافعي ومي زيادة وأدباء آخرين، ثم أخذت تنكمش تلك النماذج الراقية من الرسائل؛ لأن الناس أدركهم الخمول من جهة، وجاءت وسائل بديلة وسريعة دعت إلى الإعراض عن هذا اللون من الخطابات بين الأدباء، مثل البريد الإلكتروني وما إليه. * وبين يدي رسائل الأستاذ الكاتب محمد عمر توفيق - رحمه الله-، إن هذه الرسائل التي يرجع تاريخ أكثرها إلى نصف قرن، جالت بقارئها عبر عقود، كتبها أصحابها إلى الأستاذ توفيق -رحم الله الجميع-، وكذلك بعض رسائله هو إليهم، وهذه الرسائل كانت تحمل عبر سطورها شؤونهم وشجونهم وهم يضطربون في الحياة.. ولعل أبرزها ما خطها الأديب الكبير والشاعر المجيد حمزة شحاتة، وهي قد شغلت أكثر مساحة الكتاب، ثم رسائل الأديب الكبير عزيز ضياء في صياغتها المتميزة.. لقد عشت معها سويعات في أيام شتوية في - تونس -، ووددت لو أنها أكثر مما رأيت، أعني الرسائل.. ذلك أنها ثراء معرفي. توقف اليوم هذا النبع الصافي الجميل.. * إن الأستاذ حمزة شحاتة يشبه طائرا حبيسا في قفص، وهو يتطلع أن يفك أسره ويذهب إلى أي بلد في أرض الله الواسعة، بل إننا نقرأ في معانيه أنه لا يبالي أن يعيش في صحراء فيها انطلاقة بعيدة المدى والرؤى، لكن أحيانا يعلن أنه يريد أن يعمل في التجارة أو أي عمل آخر ليشعر بالحياة وينال شيئا من رفاهية وطلاقة الشعور كما قال في ص(91) من خلال رسالة لصاحبه توفيق، ولذلك نراه يقول: (إن وضعي هنا على ما تعهده من انقطاعي التام عن الناس والتوفير على الإشغال بكفالة هذا المجتمع (الصغير) المعقد الذي أنزل من أفراده منزلة الأب والأم والمعلم والرقيب والدادة والزميل والخادم والمهرج أحيانا). * حياة كرب لرجل عملاق ذي حس مرهف، وهو امتحان غير قاس، وأكبر الظن أنه إباء وترفع نفسه في التماس ورجاء لينال ما يستحق أو بعض ما يستحق الإنسان الشريف العزيز على نفسه، وليكون عزيزا عند الناس، ذلك أن الحاجة مذلة لرقاب الرجال، والأب الكبير وعى الكثير من ضروب الأدب العالي الذي يدعو إلى الرفعة في أسوأ أحوال الحاجة.. * وأنا أذكر أن أديبنا الكبير، دخل مرة مشاركا في تجارة مع (أحدهم) ودفع ما ادخر أو ما كان عنده، حفنة جنيهات ذهبية مشاركا في تجارة، غير أن سوء الحظ يلاحقه، فقد ضاع ما اقتنى ودفع به إلى من وثق به، إلا أن المردود كان ضياع ما حفظ من مال محدود كان يرجو تنميته أو يدخره للأيام الصعبة، وكانت النتيجة أنه ضاع ولم ينل منه شيئا. * ونرى الأستاذ الكبير محكك البيان محمد حسين زيدان - رحمه الله- يقول: (إن دم الرافعي يجري في حمزة شحاتة إلى الأبد)، قال ذلك أمام توفيق والعطار، وهذا يعني الجزالة في الألفاظ، بعد أن سمع سطورا في رسالته لتوفيق.
|
|
|
| |
|