** لقد وقع نبأ وفاتك على قلوبنا وقع الصاعقة، لقد أذهلنا، وشل تفكيرنا، وجعلنا بين مصدق، ومؤمل أن يكون المتوفى غيرك، أو أن الصحيفة واهمة، أو أننا في حلم، أو أن هناك خطأ ما.
ولكن لا كان هذا ولا ذاك، كان الخبر صحيحاً، وكان لا بد أن نستعيد وعينا، ونلجأ إلى إيماننا بأن الموت حق، وأن هذا طريق مسلوك لا مناص لأحد عنه.
* * *
** أجل لقد كنت أيها الأمير الحبيب من أجود الناس، غمرت كل من عرفك بلطفك، وسماحة خلقك، ورحابة صدرك، وسرعتك إلى النجدة، وبعدك عن مواقع الزلل، وتتبعك لأحوال من أحببت ومن أحبك، وما أكثرهم، وما أكثر اعتزازهم، وفخرهم بالقرب منك.
ابتسامتك الصادقة لا تفارق مبسمك، ووجهك البشوش لا يعرف العبوس، لقد كنا في حرب بين حزن عليك عميق، وابتسامة كلما تذكرناها استمطرت منا الدعاء لك بالرحمة ألا يرى ذلك الوجه السمح إلا شآبيب رضوانه وفسيح جناته، وغُرفها الأعلى الأعلى، مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
* * *
أيها الأمير الحبيب الفريد إن الدنيا معبر إلى مقر دائم، لقد عملت جهدك، يعضدك محتد أصيل، ونسب عريق، ودين منير، في أن يكون كل عمل يأتيه فيه رضى لربك، وعز لأسرتك، وقدوة لأهلك ومن حولك.
لا نزكي على الله أحداً، ولكنا نشهد بما رأينا وما لمسنا، وما سمعنا مما توافر وتكرر، أملنا في الله، وهو الكريم الأكرم، أن يغفر لك وأن يرحمك، وأن يظلك بظله يوم لا ظل إلا ظله.
أعجز يا سيدي أن أمحو صورتك المشرفة من خيالي ولِمَ أمحوها وهي جزء من عزاء؟ وهي بلسم لجراح قلوبنا المكلومة بفقدك، يذهب يا سيدي الجسم وتبقى الروح تمثلها السمعة الزكية وصدى الخلق الحسن، ورجع الفضائل الفريدة.
* * *
لا أنسى قبل خمس سنوات تقريباً عندما دخلت الطائرة السعودية الذاهبة من جدة إلى الرياض، وحدث ما أوجب تأخرها على أرض المطار ساعتين تقريباً، وتضايق الركاب من التأخير، ومن البقاء في الطائرة، والمتوقع أن ينزّلوا إلى صالة الانتظار، وأن يعلنوا الأسباب، فلا هذا ولا ذاك، لأن المسؤولين في الطائرة لا يعلمون، أو لا يريدون أن يُخبروا الركاب بما قد يزعجهم، المهم أن كثيراً من الركاب تذمر وتذمر، إلا أنت فلم يبدُ منك اعتراض، أو احتجاج وركنت إلى إيمانك أن هذا تدبير من الله، ولعله في صالحنا ونحن لا نعلم. هذا هو النبع الصافي الذي تغرف منه نظرتك إلى الحياة، وتعاملك فيها. جَعَلْت أمرك في يد الله، فأمِنت واطمأننت.. قليل هم أمثالك، ولهذا نرجو لك حسن المآب مثلما وهبك حسن الخلق.
كل من عرفك يا سيدي يُعزَّى فيك وأخص أسرة آل سعود عموماً، وإخوانك وأبناءك وأهلك، صغيراً وكبيراً، ذكراً وأنثى، فمصابهم جلل، والفقد عظيم، والمفقود غالٍ.
فإلى رحمة الله ورضوانه يا أمير سعد بن خالد بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
|