الحمد لله، لقد نزل بساحتنا ضيف طالما اشتقنا إليه، ومن حق الضيف الإحسان إليه، بيد أنها زيارة سريعة، تمر ساعاتها ثواني، لكنها زيارة مباركة، تقبل لها القلوب، وتغفر الذنوب، تضاء المصابيح، وتصلى التراويح، يتنافس المحسنون، ليربح المتقون، تفتح أبواب الجنان، وتوصد أبواب النيران، ويسلسل المارد الشيطان.
لما كانت أعمار الأمم قبلنا طويلة وأعمار هذه الأمة بين الستين والسبعين تكرّم الله عليها بالمواسم التي من استثمرها يضاعف له الأجر، حتى يجد في ميزانه حسنات من عاش ألوف السنين، فقيام ليلة القدر بقيام 83 سنة، وصلاة في المسجد الحرام بمكة بصلاة الفرائض 55 سنة، وصيام يوم يكفر سنتين، وهو عرفة، ومن صام رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه، فالحمد الله رب العالمين.
إن الكيس العاقل هو من أطال عمره باغتنام هذه المواسم، فإن قال القائل: وكيف ذلك؟ قيل له: أكثر من نوافل العبادات، اقرأ القرآن، صلِّ مع الجماعة، قم الليل، اذكر الله، تصدّق على مسكين، فطّر صائماً، قل خيراً، مُرْ بمعروف، انْهَ عن منكر، صِلْ رحماً، حسّن أخلاقك، أدِّ زكاتك، واجمع إلى ذلك هجر ما نهى الله عنه ورسوله؛ فإن رمضان جاء ليهذب نفسك، فأنا وأنت نمتنع عن قطرة الماء، وهي في الأصل مباحة، وحبة الرز، وهي في الأصل حلال، فكيف نرتكب المحرمات ونركب الموبقات ونحن نتحرز من المباحات طاعةً لله؟! أليس الغناء والتدخين والكذب والخيانة والقطيعة والربا التي هي محرمة في كل وقت أولى بالترك والامتناع؟!
جدّد التوبة، وبيّض الصحيفة، وقوِّ الإيمان، هذه فرصة كل مَن له معصية أن يتركها، وكل مَن قصر في واجب أن يلزمه.. إن الإيمان يخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فجدّدوا العهد بالله.