| |
إشكالية اختلف حولها العلماء والمفكرون تطوير الخطاب الدعوي .. أم تحديث وسائل الدعوة
|
|
* الجزيرة - خاص: شغلت قضية تطوير الخطاب الدعوي أو الديني العديد من الدوائر الإعلامية والشرعية، فهناك من طالب بإعادة النظر في الخطاب الديني الموجه خاصة إلى الشباب، ومنهم من فرق بين الخطاب الدعوي الذي يحتاج إلى تطوير وتحديث واستخدام أفضل وسائل التقنية الحديثة، وبين الخطاب الديني الذي يرتكز على مبادئ العقيدة وأساسيات الإسلام، وعقد العديد من الندوات والمؤتمرات حول تطوير الخطاب الدعوي وتحديثه واعترف الكثيرون بأن المسألة في حاجة إلى نظر ودراسة خاصة ونحن نعيش في عصر الفضائيات والانترنت والبث المباشر وتحول العالم إلى قرية كونية. (الجزيرة) طرحت المسألة على الدكتور توفيق السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد، والدكتور أحمد جروز طاهر عبدالله الداعية الإسلامية في القارة الإفريقية والأستاذ بجامعة الكاميرون فماذا كان رأيهما؟ رسالة الإسلام في البداية يقول الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري: ينبغي لنا أن نحدد ماذا نعني بالخطاب الديني أو الخطاب الإسلامي وهو الذي يمكن أن نعرفه بأنه تقديم رسالة الإسلام ومنهجه الدعوي المنبثق من نظرة الإسلام للإنسان والكون والحياة، فهو النظرية التي تقوم عليها حياة المسلمين وسلوكياتهم وعلاقتهم مع أنفسهم والآخرين، وطريقة إدارتهم للحياة بأبعادها الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي أن الخطاب يعكس فاعلية المجتمع من ثقافة وتطور وحضارة. وإذا عرفنا فإننا نقول إنه يجب أن يكون الخطاب الديني الجديد كما كان عليه الخطاب الديني القديم، كيف يكون ذلك؟ أقول: نعم، إن الخطاب الديني القديم الذي كان عليه سلف هذه الأمة هو الخطاب المطلوب اليوم ولك حق أن تتساءل وتقول: لماذا؟ لأن الخطاب الديني مع الأسف اختطف في العقود المتأخرة، واستبدل بخطاب مسخ بعيد كل البعد عن روح الدين وجوهره، إذن فإن الخطاب الإسلامي المطلوب اليوم هو خطاب قائم على الكتاب والسنة خطاب مبني على المنهج الرباني والذي سار عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، فهو خطاب إنساني يهدف إلى الحوار والتفاهم والتعايش والتعاون من جميع الأطراف في المجتمع المحلي والإقليمي والدولي من أجل إشاعة قيم العدل والسلم والخير، وهو خطاب صادر عن مرجعية إسلامية معبر عن الهوية الثقافية والحضارية للأمة الإسلامية منطلقاً من القاعدة الربانية (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وهو خطاب للبناء وليس للهدم، للإفهام لا للإبهام، يسعى للوحدة والتضامن وحشد جهود الأمة وتعبئة طاقاتها لإعلاء البناء الحضاري، وهو خطاب واقعي قائم على أساس التنمية باعتبارها أساس النهضة، كما أنه خطاب يرتقي لمستوى التعرف على المتغيرات والاستفادة منها ويستجيب للطموحات وينسجم مع هوية الأمة ويعبر عن خصوصيتها ويدافع عن مصالحها. خلل الخطاب ويضيف د. السديري قائلاً: إن استقراء التاريخ المعاصر وواقع المسلمين يؤكد أن هناك خللا ما في الخطاب، ويتضح ذلك من تتابع النكسات والكبوات لهذه الأمة وتخبطها في تلمس طريق النهوض والارتقاء والنجاح. ولتجديد الخطاب الديني يجب أن تكون المنطلقات والأولويات قائمة على نفي الخبث عن هذا الخطاب وتقويم المنحرف وتخليصه من أسر مختطفيه، حيث إنه لابد من إعادة النظر في الآليات والوسائل بل وفي منهجية الخطاب، ويكون ذلك بالآتي: 1- نفي الحزبية والأيدلوجيا عن هذا الخطاب (وأنا أفرق هنا بين العقيدة والأيدلوجيا حتى لا يساء فهمي). 2- تخليصه من الانفعال والعاطفة وتوجيهه لمخاطبه العقل والواقع وليس ملامسة المشاعر وإلهابها. 3- إيمانه بالتعددية التي هي من سنن الله في الكون ونبذ الإقصائية والتشنج. 4- جعله ذا ملامح موصوفة ومحددة وليس عاماً، وأن يكون عملياً وليس نظرياً. 5- النأي به عن الصنمية والتمحور حول الأشخاص. 6- أن لا يكون قائما على توجيهات شخصية أو خلفية ثقافية ضيقة تلوى من أجلها أعناق النصوص. 7- أن يكون قائماً على الصدق والشفافية مع الذات ومع الآخر على حد سواء. 8- أن يكون خطاباً قادراً على تشكيل التاريخ وليس الاتكاء عليه للانطلاق منه. تطوير الوسائل والآليات ويرى الدكتور أحمد جروز طاهر عبدالله الأستاذ بجامعة الكاميرون: أن تطوير الخطاب الديني يتم عن طريق بيان سماحة الشريعة الإسلامية، وأنه دين الوسطية والرفق واليسر والحوار، وكذلك يتم عن بيان حكم الإسلام على الحوادث الحالية، والأزمات المتكررة على الأمة الإسلامية، وأن الله سيفرج عن هذه الأمة إذا تابت إلى ربها، وتمسكت بدينها، واستنت بسنة نبيها - عليه الصلاة والسلام -، كما يتم هذا التطوير بواسطة العلماء المخلصين الربانيين الذين اختارهم الله تعالى ليكونوا مصابيح الدجى بعد الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وأنهم أدلة على الطريق والخلق وراءهم، وليس معنى تطوير الخطاب الديني أن نحذف ركناً من أركان الإسلام، أو فرضاً من فرائضه، أو أن نفسخ مبدأ من مبادئ الإسلام، أو حكماً من أحكامه المعلومة من الدين بالضرورة، وهذا ما يشير إليه فحوى خطاب من يسمون (بالليبراليين الإسلاميين) أو (المعتدلين الإسلاميين) في قاموسهم السابق ذكره. فالتطوير يعني استخدام الوسائل المتاحة، والأجواء المحيطة لتوصيل الخطاب الديني بأسلوب خال من الغموض، والدفع إلى العنف غير المسؤول، مع المحافظة على الثوابت الدينية، واستيعاب المستجد في التقدم التقني للإنسان، وإحياء روح الانتماء الديني، وبيان حدود التسامح والتعايش اللذين يدعو الإسلام إليهما، ونحو ذلك مما يؤمّن لهذه الأمة عزتها، ويجعلها تتعايش مع الديانات والثقافات الأخرى بنظام متوازن تحت ظل التعاليم الإسلامية.
|
|
|
| |
|