بعد أن ذكر الله الصيام في قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة، تحدث تعالى عن شهر الصوم وهو رمضان بقوله:{أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (184) سورة البقرة.
فالله عزوجل وصف شهر رمضان كله بأنه أيام معدودات، وفي هذا إشارة إلى سرعة انقضاء أيامه ولياليه، فما أن يبدأ الشهر ويهنأ الناس بعضهم بعضا بحلوله إلا وقد انقضت عشره الأولى، تتبعها الوسطى، ثم يدخل الناس في عشره الأخيرة إذ أفضل لياليه ليلة القدر ثم ما يلبث أن يودع الناس شهرهم.
إن رمضان فرصة عظيمة للتزود من الأعمال الصالحة بجميع أنواعها، وفعل الخير بكل معانيه، إذ يضاعف الثواب بما لا يضاعف في غيره من الشهور، ولكن هذه الفرصة سريعة الانقضاء فأيامها معدودة وساعاتها محصورة.
إن امرأ دخل عليه رمضان وخرج، فلم ينهل من خيره، ولم يستزد فيه من العمل لربه، لخاسر في عمره ومضيع لفرصته، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جاءني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه، ولم يغفر له، فقلت آمين) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
إن مما يلحظ مع بداية الشهر أن كثيرا من الناس يشمر عن ساعد الجد، حتى تمتلئ كثير من المساجد بالمصلين في صلاة التراويح، ويجتهد الناس في أنواع العبادات، ولكن ما ان ينتصف الشهر وتأتي عشره الأخيرة حتى تفتر همم بعض الناس وتقل عزائمهم، وينشغل آخرون في آخر أيامه في الأسواق استعدادا للعيد، وهذا أمر عجيب؛ فإن أفضل أيام رمضان هي لياليه وأيامه الأخيرة، والعشر الأواخر منه هي خلاصته وتاجه.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها فيحيي لياليها بالصلاة والذكر والقيام والاعتكاف ويوقظ أهله شفقة ورحمة بهم حتى لا يفوتهم هذا الخير.
وأعظم الخير في هذه العشر تلك الليلة البهية، ليلة العتق والمباهاة، ليلة القرب والمناجاة، ليلة القدر، ليلة نزول القرآن، الليلة التي هي خير من ألف شهر.
وهذه الليلة وإن كانت خفية إلا أن من اجتهد في هذه العشر كلها فلا شك في أنه قد أصابها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) رواه البخاري.
ولله در القائل: