| |
بعد توقف الحرب الإسرائيلية المدمرة.. لبنان إلى أين؟!! د. سيد محمد الداعور (*)
|
|
توقف التراشق الصاروخي والمدفعي بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي حزب الله في لبنان، ولكن التراشق الخطابي بين الفرقاء في هذا البلد المبتلى لم يتوقف بل تصاعدت وتيرته وازدادت حدته. فما نشهده حالياً على الساحة اللبنانية هو أن حدة العداء قد اشتدت بين حزب الله والتيار الوطني الحر برئاسة العميد ميشيل عون من جهة وتحالف (الرابع عشر من آذار) الذي يهيمن على الحكومة التي يرأسها فؤاد السنيورة من جهة أخرى؛ حيث ازداد الخوف من أن يتحول الاشتباك الخطابي والتصريحات العدائية بين المعسكرين إلى اشتباكات مسلحة تدخل لبنان الجريح في أتون حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر، حيث جرب هذا البلد الحروب أكثر من مرة منذ استقلاله عن فرنسا قبل أكثر من ستين عاماً. محاولة نزع فتيل الأزمة: وتحاول الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة نزع فتيل الفتنة والاقتتال الداخلي؛ ففي حديث متلفز له مؤخراً خاطب السنيورة اللبنانيين قائلاً: (تقع على عاتقنا مسؤولية وقف الصراع السياسي والحيلولة دون تحويل بلدنا إلى ساحة لحروب ونزاعات وخصومات خارجية، وعلينا في الوقت نفسه بناء دولة قوية ديمقراطية وقادرة). وأضاف مشدداً القول: (إن بلدنا يحتاج لإعادة بناء وإعمار وتشييد بيوت للمواطنين وإيجاد مصادر رزق لهم، وإعادة تأسيس البنية التحتية وإعادة بناء الاقتصاد، وطاقاتنا وإمكانياتنا المستقبلية). ولكن يبدو أن الخلاف ليس على تحقيق ما ذكره رئيس الوزراء السنيورة ولكن الخلاف على كيفية تحقيق ذلك. وتتهم قوى الرابع عشر من آذار حزب الله بتنفيذ أجندة سورية- إيرانية في لبنان، فيما يتهم حزب الله هذه القوى بالترويج لتنفيذ المشروع الأمريكي- الصهيوني المتمثل في الهيمنة عليه وإخضاعه عبر نزع سلاح المقاومة وعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل. تداعيات خطاب نصر الله: وقد تصاعدت حدة التناحر والتراشق الإعلامي عندما دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مهرجان جماهيري حاشد أقامه الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ورفض نصر الله في أول ظهور علني له منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان نزع سلاح حزب الله في الظروف الحالية، مؤكداً أن أي جيش في العالم لن يستطيع أن يجبر حزب الله على إلقاء سلاحه. كما أكد نصر الله أن المقاومة تملك أكثر من 20 ألف صاروخ، واعتبر أن مقاومة حزبه وجهت ضربة قاصمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي. قراءة أمريكية مختلفة: ولكن التقييم الأمريكي لنتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان يوحي بأن واشنطن تتحدث عن حرب أخرى غير تلك التي خيضت ما بين الثاني عشر من تموز والرابع عشر من آب الماضي.. ويقود الإدارة الأمريكية إلى استنتاجات خطرة وخطوات أشد خطورة؛ ففي الأيام الأولى التي أعقبت وقف الأعمال العدائية، تدخلت واشنطن في السجال حول النصر والهزيمة، وقال الرئيس جورج بوش يومها كلمته الشهيرة عن أن علامات انهزام حزب الله ستظهر مع الوقت، وذلك بعدما كان قد تلقى الإحصاءات الأولى حول عدد القتلى والجرحى اللبنانيين، وشاهد الصور الجوية للدمار الهائل الذي ألحقته الغارات الإسرائيلية بنحو 250 قرية لبنانية، فضلاً عن الخراب الذي أصاب الضاحية الجنوبية وأنحاء أخرى من لبنان. كان الرئيس بوش يعرف جيداً المدى الذي بلغته الحملة العسكرية الإسرائيلية على لبنان، وكان يدرك تماماً الهدف السياسي الذي حددته أمريكا وإسرائيل، وعملتا معاً على تنفيذه طوال 33 يوماً متواصلة، وكان يشمل ضرب حزب الله وجمهوره، وإنذار سوريا وتأديب إيران. كانت التوقعات الأمريكية- الإسرائيلية تفيد بأن بيروت ستستسلم على وقع الضربات العنيفة، ودمشق ستتراجع عن سلوكها وخطابها الثوري، وطهران ستتقدم نحو طاولة المفاوضات المباشرة بعد وقف تخصيب اليورانيوم. في بيروت، جرت الموافقة على شروط وقف إطلاق النار المصحوبة بانتشار قوات دولية فاعلة هي الأقرب في الشكل والمضمون إلى صيغة القوات المتعددة المنتشرة في أفغانستان والعراق. لكن واشنطن كانت ولا تزال تعتبر هذه الشروط انتصاراً للبنان ومقدمة ضرورية لاستكمال المشروع الذي بدأ مع إصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 في خريف العام 2004م وإسهاماً في دفع مشروع الشرق الأوسط الكبير! لكن هذه القراءة الأمريكية لا تزال تبدو مرتبكة إزاء آثار الحرب على سوريا وإيران. في دمشق لا يمكن الشك في صدق الإحساس بالنصر والاحتفالات المستمرة حتى اليوم به، وفي الخطاب الرسمي الذي اعتبر أن الحرب توفر فرصة جدية لاستعادة الجولان ولتحقيق السلام. كما أن هذه القراءة الأمريكية لا تزال تبدو محتارة أمام السلوك الإيراني الذي يعبر عن شعور مبالغ به بالنصر أيضاً، وينعكس على المفاوضات حول الملف النووي، ويعرقل إلى حد ما الصفقة التي عرضتها واشنطن على طهران. ردود فعل الأطراف المعنية: الحكومة اللبنانية: وفي إطار ردود الفعل على خطاب الأمين العام لحزب الله اعتبرت الحكومة اللبنانية في أول تعليق لها على الخطاب أن تركيز حسن نصر الله على موضوع الحوار أمر جيد. وقال بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء فؤاد السنيورة إن من شأن ذلك أن يفتح آفاقاً مستقبلية. من جانبه قال وزير الدولة اللبناني ميشيل فرعون في تصريح صحفي إنه يتفق مع نصر الله على ضرورة معالجة أسباب الحرب بالحوار المباشر، وضرورة تطبيق اتفاق الطائف، وطالب بأن يبدأ التغيير الذي طالب به نصر الله بحل مسألة رئاسة الجمهورية. ودعا رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة جميع اللبنانيين إلى الوحدة مطالباً بالتكاتف من أجل درء أي انقسام داخلي. جاء ذلك في حفل إفطار حضره عدد من الشخصيات اللبنانية، بينها رئيس مجلس النواب نبيه بري وميشال عون. وقال السنيورة: إن الصوت العالي في الخطابات السياسية لن يفيد القضية اللبنانية ووحدة اللبنانيين. وأضاف أنه لا يقلل من أهمية حق الاختلاف السياسي لكنه يرفض استخدام التعبيرات الحادة التي لا تفيد، واعتبر أن الخلافات تحولت لأزمة سياسية وأزمة ثقة. زعيم القوات اللبنانية: وتصدى رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع للرد على خطاب السيد حسن نصر الله؛ محاولاً تفنيد أهم ما جاء فيه من مواقف، طارحاً بالمقابل الأفكار التي يؤمن بها، وردد مواقف المجموعة الحاكمة في لبنان، مضيفاً إليها بعض الشعارات التعبوية المستوحاة من تراثه السياسي والنفسي. ويقول قائد القوات اللبنانية: إن حل مسألة سلاح المقاومة هو شرط مسبق لإقامة الدولة، ويضيف لاحقاً أنه من الصعب إقامة الدولة في ظل وجود دويلة حزب الله. الحريري يصف نتائج الحرب بالكارثة: وصف زعيم تيار المستقبل اللبناني النائب سعد الحريري نتائج المواجهة بين حزب الله وإسرائيل بأنها كارثة (وسعت نطاق الاحتلال وزادت عدد الأسرى وأتت بجحافل من القوات والأساطيل)، وليست (انتصاراً إلهياً) كما اعتبرها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه. وأكد الحريري في حفل إفطار ببيروت تمسك قوى 14 آذار باتفاق الطائف الموقع عام 1989م الذي ينص على احترام اتفاق الهدنة مع إسرائيل الموقع في 1949م. وانتقد الحريري بشدة خطاب نصر الله، وقال إن بعض ما جاء فيه (ترجمة محلية غير مقبولة لخطاب (الرئيس) بشار الأسد ومفاهيم خطيرة تتعارض مع مفاهيم الوحدة الوطنية). وأثنى الحريري على أداء حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وقال إنها توصلت إلى وقف الحرب وجاءت بالقوة الدولية المعززة، مشدداً على رفض أي دعوة لتغييرها بوسائل غير ديمقراطية ودستورية، ومن اللجوء إلى ذلك بتعبئة الشارع لأن ذلك سيُرد عليه بالمثل، قائلاً: (مثل هذا الخطاب يدفع الآخرين حتماً إلى أن يقولوا الشارع بالشارع، والمهرجان بالمهرجان، والتعبئة بالتعبئة، والبادئ أظلم). جنبلاط لا يستبعد حرباً جديدة: وجدير بالذكر أن زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط رجح وقوع جولة قتال جديدة بين حزب الله وإسرائيل، ودعا إلى حل (مشكلة) سلاح الحزب عبر حوار عربي- إيراني. وقال جنبلاط في مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية العربية إنه لا يستبعد جولة قتال جديدة في لبنان (إذا لم تتحقق تسوية داخلية بلبنان مع حزب الله) واستمرت في ذات الوقت النوايا (العدوانية الأمريكية تجاه إيران). واستدرك قائلاً في موضع آخر: إن حل معضلة سلاح حزب الله وتحالفه مع إيران لا يتحققان بالحوار الداخلي، مشدداً على ضرورة وجود حوار عربي- إيراني لحل القضية تشارك فيه السعودية ومصر والأردن لحل جميع المشكلات العالقة بين الطرفين وضمنها مشكلة الجزر الإماراتية المحتلة. وأقر جنبلاط خلال الحوار بأن المواجهة بين حزب الله وإسرائيل خلال حرب الـ33 يوماً هي انتصار للبنان، وهو ما لا تتوافق عليه الأغلبية النيابية، مشدداً على ضرورة توظيف الانتصار السياسي والعسكري لصالح الدولة. إسرائيل أيضاً تتوقع تجدد القتال: وفي الإطار نفسه توقع وزير البنى التحتية الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر تجدد المعارك مع حزب الله في جنوب لبنان في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر. وقال الوزير العضو في الحكومة الأمنية لإذاعة الجيش الإسرائيلي: إن (الترتيبات التي وضعت لجنوب لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي لن تصمد). وأضاف بن أليعازر-وهو وزير الدفاع السابق وعضو بحزب العمل-: إن (حزب الله سينتهز الفرصة لتعزيز صفوفه بدون علم الجيش اللبناني والجنود الأجانب المنتشرين في جنوب لبنان). وقال: إن تل أبيب يجب أن تغتال زعيم حزب الله حسن نصر الله (عندما تلوح فرصة لتنفيذ ذلك دون وقوع عدد كبير من الضحايا بين المارة). وأضاف بن أليعازر: (حياة نصر الله عقاب.. إنه سيئ لليهود وسيئ للعرب وسيئ للمسيحيين.. يجب أن ننتظر الفرصة المناسبة وعدم تركه على قيد الحياة). السنيورة يصعد لهجته: في غضون ذلك صعد رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة لهجته ضد حزب الله بعد انتقادات أمين عام الحزب لحكومة السنيورة ودعوته لها بالرحيل. وقال السنيورة: إن الجيش اللبناني المنتشر في الجنوب سيصادر أي سلاح يظهر علناً في مناطق عمله بالجنوب، في إشارة إلى سلاح مقاتلي حزب الله الذي استخدم لمواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير. وأكد السنيورة أثناء زيارته القاهرة أن حكومته (باقية طالما أنها تحظى بثقة مجلس النواب). واعتبر السنيورة، الذي التقى الرئيس المصري حسني مبارك، أن الحرب على لبنان (أثبتت أن إسرائيل لا تستطيع أن تكون آمنة أو مطمئنة ما لم تخطُ خطوة حقيقية باتجاه السلام الشامل والعادل وتطبيق قرارات مجلس الأمن والمبادرة العربية). وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قد شن هجوماً غير مسبوق على الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، ودعا إلى تشكيل حكومة شراكة وطنية لمواجهة استحقاقات ما بعد الحرب على لبنان، وقال: إن الحكومة الحالية غير مؤهلة للقيام بهذه المهمة. وطالب نصر الله في مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية العربية بأن تضم حكومة المرحلة القادمة قوى سياسية لها وزنها في الشارع اللبناني، مثل التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون والنائب المسيحي السابق سليمان فرنجية، مشدداً على أن لبنان لا يمكن أن يدار بعد الحرب بعقلية مصالح وبعقلية استئثار السلطة بل بمشاركة وطنية شاملة. ورجح أن ترفض قوى 14 آذار هذه الدعوة بزعم أنهم يمثلون أغلبية (ومن حقهم أن يستمروا في الحكم)، مشيراً إلى أنهم يريدون في الحقيقة الوفاء بالتزامات سياسية معينة والتزامات على المستوى الاقتصادي أمام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فضلاً عن إبقاء القوى غير المتحالفة معهم كتبع لهم لتحقق لهم الأغلبية المطلوبة لحسم القضايا الأساسية. وقال نصر الله: إن لبنان ليس بحاجة إلى اتفاق جديد لأن اتفاق الطائف فيه آلية معقولة تدفع للإصلاح السياسي وبناء الدولة وتثبيت الهوية المتفق عليها وطنياً، مضيفاً أن قوى 14 آذار تريد تطبيق اتفاق الطائف بهدف نزع سلاح حزب الله، بينما يريد الحزب من هذا الاتفاق بناء دولة قوية وعادلة. وشن الأمين العام لحزب الله هجوماً عنيفاً على بعض القوى السياسية اللبنانية ووسائل إعلامها لمواقفها أثناء الحرب الأخيرة على لبنان، وقال: إن الطيران الإسرائيلي كان يقصف ويدمر البلد والمقاومة تصنع المعجزات، بينما كانت هذه القوى تطعن الحزب في ظهره. وأشار إلى أن قواعد الحزب سكتت ولم ترد خشية وقوع فتنة داخلية، وأشار بلهجة مليئة بالسخرية إلى أن الإعلام الإسرائيلي أنصف حزب الله أكثر من هذه القوى التي كانت شريكة في الحرب مع إسرائيل، وكشف أن بعض الشخصيات من هذه القوى كانت تتصل بالإسرائيليين لتشجيعهم على مواصلة الحرب. وكشف نصر الله أن حزبه لم يحسم قراره بعد للمرحلة التالية بانتظار انتهاء استحقاقات الجنوب والإعمار ويونيفيل، لكنه أكد أن مراجعة شاملة ستتم في غضون أسابيع لتحديد خيارات الحزب السياسية في ضوء ما أفرزته الحرب الأخيرة من تداعيات. وشدد على أن الحزب لن ينسى القوى التي وقفت معه في هذه الحرب ولن يتصرف إلا بحس وطني وأخذ القيم المتعارف عليها في الاعتبار في التعامل مع الآخرين. لبنان إلى أين؟ في ظل إعادة توزيع للقوى في لبنان، و(مهرجان الانتصار) والرد عليه بمهرجان (القوات اللبنانية) وما صدر عن القيادات البارزة في قوى 14 آذار، و(مهرجان ميشال عون) ومهرجانات أخرى قادمة، ثمة خشية من أن تخرج الأمور عن ضوابطها، وبأن الأمر قد لا يقتصر على ذلك بل ربما ينتقل إلى مرحلة من المواجهة حتى ولو كان الجميع يؤكد حرصه على عدم خوضها. ومن المفترض أن تكون جولة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس إلى المنطقة قد جاءت في أعقاب مشاورات مع الحلفاء الأوروبيين وفي مقدمتهم فرنسا، وذلك رغم تباين بعض الأولويات، ذلك أن الأمريكيين يسيرون حالياً مع الإسرائيليين في سياق نقل العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية إلى مرحلة من التفاهم، بينما يبقى الجهد الفرنسي الأبرز منصباً على ترسيخ الخطوات المتعلقة بلبنان. لا يبدو أن هناك فرصة جدية في المدى المنظور لتحقيق نوع من (فض الاشتباك) بين أطراف السجال الداخلي التي خاضت خلال الأيام الماضية جولة عنيفة من المواجهة السياسية الكلامية، كما تمت الإشارة سابقاً، المرشحة لجولات أخرى وربما حاسمة بعد عيد الفطر. في ظل هذا المناخ الملبد الذي ينذر بالمزيد من العواصف الرعدية، تتراجع أكثر فأكثر احتمالات التسوية التي أصيبت بأضرار كبيرة بعد إصابتها بشظايا القنابل العنقودية المستخدمة في القصف السياسي المتبادل، والأرجح أن الرئيس نبيه بري لن يكون قادراً وحده على لجم أحصنة التصعيد، بل لعل بري سيكون مضطراً في لحظة ما، حين تدق ساعة الحقيقة، إلى أن يحسم هو خياره انطلاقاً من تحالفه الإستراتيجي مع حزب الله، خصوصاً أن دينامية المواجهة المرتقبة لن تتيح له عندما تصل إلى مراحل متقدمة أن يظل محتفظاً بالخصوصية التي استطاع أن يحميها حتى الآن. وتأسيساً على هذا الواقع، تعرب أوساط سياسية مطلعة عن قناعتها بأن الأمور في البلد تتجه نحو الصدام، مع انسداد قنوات الحوار، لافتة الانتباه إلى أن بعض الخطابات مؤخراً قرّبت مواعيد المواجهة. وتعتقد هذه الأوساط أن التحدي لم يعد في النجاح بمنع الصدام ولكن في النجاح بإدارته حتى يبقى في الإطار الديموقراطي والسياسي، مبدية خشيتها من أن تستغل بعض الأطراف المحلية والدولية المناخ المأزوم السائد لرمي ثقاب الفتنة في برميل البارود اللبناني، خصوصاً أن هناك متخصصين وأصحاب سوابق في الفتنة قد لا يتورعون عن توظيف خبرتهم لضرب الاستقرار على قاعدة أن (الدم يلُم)، ولاسيما أن هناك فريقاً لبنانياً بات يحتاج إلى عصب يعيد له الاعتبار والقدرة على الاستقطاب بعدما خسر القضايا التي كانت تتيح له أن يؤدي هذا الدور في السابق؛ فبعدما أربكت المقاومة الحكم في إسرائيل ودفعته إلى وضع مأزوم من شأنه تلاشي عناصر الاستكبار والعنجهية فيه، تحول الارتباك إلى الوضع اللبناني. ويحاول الرئيس فؤاد السنيورة التجسير بين الفئات المتصارعة لإخراج الحوار من السعي لشطب كل فريق للآخر، إلى رفع مستوى الحوار لمرتبة تجهض الولاءات الطائفية ورواسب التكلس الفكري وتعيد للبنان فرصة استعادة رصيده في تفعيل المقاومة وثقافتها الوطنية من جهة، وتوفير المشاركة الشاملة في صناعة الرأي والقرارات والسياسات المصيرية، من جهة أخرى، إذ ذاك لا يعود لبنان في انقسامه عامل جذب لصراعات إقليمية ودولية، بل تصبح نقطة همومه واهتماماته المساهمة في ردع إسرائيل عن التمادي في استباحة حقوق العرب وإنارتها الطريق لزرع بذور الوحدة القومية التي رافقت تاريخه من خلال الوحدة الوطنية التي كلما اقترب من إنجازها يباغته حدث يعيد تفكيك نسيج المجتمع اللبناني.
(*) كاتب ومحلل سياسي
E-mail: sayeddaur@hotmail.com |
|
|
| |
|