| |
وقفات من مآثر رمضان! سلوى أبو مدين
|
|
جاء انتصار بدر نتيجة عمل دؤوب مستمر لا حادث عفوي، لقد كان انتصار المسلمين ببدر نتيجة تربية دامت خمس عشرة سنة، جعلت المسلمين شخصا واحداً عقيدة وهدفاً وأخلاقاً وسلوكاً وتربية. غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الثانية من الهجرة، وبتخطيط عسكري وحنكة سياسية لأن الله تعالى قيض للمسلمين هذا النصر المبين. قال تعالى في كتابه العزيز: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}. لقد كانت موقعة بدر من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام، ولذا سماها الله تعالى في كتابه بيوم الفرقان لأنه فرق بها بين الحق والباطل، وكان لها أعظم الأثر في إعلاء شأن الإسلام وإعزاز المسلمين. كانت قريش قد صادرت أموال المهاجرين، وتربصت للنيل منهم، وإيذاء المؤمنين، فأراد المهاجرون الضغط وإضعافه من خلال التعرض لقوافلها التجارية التي تمر بالقرب من المدينة في طريقها إلى الشام. فندب الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه للخروج لأخذها، فخرج عدد من الرجال فخرجت قريش ولم يتخلف من رجالها إلا القليل، وقد بلغ جيش قريش ألف مقاتل معهم القيان يضربن بالدفوف ويغنون ويهجون المسلمين، ولما بلغوا الجحفة علموا بنجاة القافلة، فأصروا على المضي ومقاتلة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان المسلمون قد وصلوا إلى بدر وعلموا بنجاة القافلة وقدوم جيش المشركين، فاستشار النبي صلى الله عليه أصحابه، فوقف المقداد بن عمرو من المهاجرين وقال: (يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - مكان باليمن - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، وقام سعد بن معاذ - زعيم الأوس - فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فإنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسِر على بركة الله). فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم اجتماعهم على القتال بدأ بتنظيم الجيش وكان المسلمون قد وصلوا إلى بدر وعلموا بنجاة القافلة وقدوم جيش المشركين فأعطى اللواء الأبيض مصعبا بن عمير وأعطى رايتين سوداوين لعلي وسعد بن معاذ رضي الله عنهما. وأنزل الله تعالى في تلك الليلة مطراً طهر به المؤمنين وثبت به الأرض تحت أقدامهم، وجعله وبالاً شديدًا على المشركين. وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته تلك، فصلى فلم يزل يدعو ربه ويتضرع حتى أصبح، كان يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد بعدها في الأرض فما زال يدعو حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه. وقال له: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. في صبيحة يوم السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة، رتب صلى الله عليه وسلم الجيش والتحمت الصفوف، وأمد الله المسلمين بمدد من الملائكة قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}. ونصر الله رسوله والمؤمنين رغم قلة عددهم وعدتهم، وقتل عدد من زعماء المشركين منهم أبو جهل عمرو بن هشام، وأمية بن خلف، والعاص بن هشام، وبلغ عدد قتلى المشركين سبعين رجلاً، وأسر منهم سبعون، وفر من تبقى من المشركين تاركين غنائم كثيرة في ميدان المعركة، وأقام صلى الله عليه وسلم ببدر ثلاثة أيام، ودَفن شهداء المسلمين فيها، وهم أربعة عشر شهيداً، وقد تمت مفاداة الأسرى بالمال.
|
|
|
| |
|