الذين يهبطون بمستوى الفنون إلى الحضيض من حيث المستوى الفكري والثقافي والفني لا يمكن أن يكونوا مصلحين، ولا يمكن لفنهم الرخيص أن يعالج مشكلةً من المشكلات التي يطرحها بأسلوب السخرية الذي يهدف إلى الإضحاك والتهريج؛ لأن المبالغة في السخرية من ظاهرةٍ ما لا تعالجها، ولا تقدّم حلولاً مناسبة لها، بل يقتصر أثر تلك المبالغة على إثارة الضحك للتسلية والإمتاع الوقتي. وفي تاريخ الفنون الساخرة ما يؤكّد هذه الحقيقة، حتى عند كبار شخصيات الإضحاك والتسلية الذين كانوا على مستوى من الثقافة والمعرفة.
وإذا أصبح الإضحاك هدفاً في عالم الفنون فإن فائدته في التقويم والإصلاح ستكون معدومة مهما حاول بعض المتعصبين للفنون الساخرة تأكيد غير ذلك.
عشرات الممثلين الساخرين جداً، القادرين على تحريك موجات هائلة من الضحك، عاشوا ما عاشوا ثم رحلوا عن الحياة دون أن يقدّموا شيئاً مفيداً سوى الإضحاك، فلم يُؤثر عن واحد منهم أنه غيّر ظاهرة سلبية في المجتمع والأمة بما يقدّمه من مواقف التسلية والإضحاك.
وهنا يجب ألا يَعْدُوَ مضحك القوم قَدْرَه، وألا يدخل في نفق السخرية بمبادئ الناس ومعتقداتهم ومظاهر حياتهم الخاصة بهم، وألا يتَّخذ الإضحاك وسيلةً لتفريغ شحناته النفسية، أو تضخيم موقف يؤمن هو به على حساب موقف آخر يؤمن به عامة الناس. وإذا كان الضحك يميت القلب كما هو ثابت قديماً وحديثاً إماتة معنوية فإن الإنسان الذي يقوم بدور المضحك سيكون أبعد الناس عن إحياء النفوس ورفع معنويات الأشخاص لمواجهة مشكلاتهم بصورة إيجابية ناجحة.
هنالك موضوعات كثيرة؛ اجتماعية وثقافية وسياسية، يمكن أن تكون مادة خفيفة يستخدمها المضحكون بعيداً عن ثوابت الدين وخصوصيات الناس.
ونحن لا ننكر دور (الفن الراقي) في نشر الوعي بين الناس؛ فإنه دور ثابت يعجز عنه الإنكار، كما أننا لا ننكر دور الفن (الرخيص الهابط) في إفساد المجتمعات، وإثارة الحزازات، وتصفية الحسابات مع الذين يختلفون مع صاحب الفن في المنهج والرؤية والتصوّر الصحيح للحياة.
لقد ورد في شأن (مضحك القوم) وعيد شديد عن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، وما ذلك إلا لأثره السلبي في نفوس الناس، وهو أثر يبقى في طباع صاحبه حتى يصبح ذهنه مبرمجاً عليه، وهنا يدمن (الإضحاك) ويصبح جزءاً من تكوين شخصيته. ونحن لا نخاطب (المضحكين) بهذه الموعظة لأنهم يفعلون ما فعلوه إلا بقلوب أماتها الضحك وأذهب إحساسها بالمسؤولية الحقيقية في الحياة.
إن ما نشاهده من عثرات الفنون المسرحية وبعض البرامج الفضائية يؤكد لنا أن الفنون أصبحت رخيصة مبتذلة، وهذا ما لا يجوز للعقلاء إهماله أو السكوت عليه.
إشارة