| |
رايس في زيارة مختلفة للمنطقة.. مجموعة الثماني العربية.. قوة وصوت جديد د. علي بن شويل القرني(*)
|
|
زيارة كونداليسا رايس إلى المنطقة هذه المرة تعد من الزيارات القليلة التي يشعر فيها أبناء منطقة الشرق الأوسط أنها الأقرب إلى مستوى تفهمها لقضايا المنطقة. وشتان بين زيارتها قبل الأخيرة التي جاءت فيها للمنطقة خلال الحرب الإسرائيلية ضد لبنان، والهجوم الإسرائيلي الكاسح ضد البنى الاقتصادية ومختلف شرائح المواطنين في المدن والقرى اللبنانية.. وكانت رايس في المنطقة في محاولة منها إلى فتح الحرب، وتمديد الهجوم على لبنان.. وهذا ما جعلها تصبح الشخصية السياسية الأكثر كراهية في تلك الفترة.. أما هذه الزيارة فقد كانت مختلفة تماماً عن تلك الزيارة سالفة الذكر.. فقد جاءت هنا لتسمع من المجموعة العربية عن المشكلة الأساس في المنطقة، وهي مشكلة الشرق الأوسط، وتحديداً الوضع في الأراضي الفلسطينية.. وربما موضوعات أخرى جانبية. لقد كانت كونداليسا رايس هذه المرة في حالة من الهدوء والتواضع والاسترخاء، حيث إنها لم تأت لمتابعة قضية ساخنة، أو وضعاً متأزماً حسب المفهوم الأمريكي.. ولكنها جاءت بأفكار، واستمعت لأفكار أخرى من الجانب العربي.. ولأول مرة ينبني تجمع عربي كبير غير جامعة الدول العربية ليتحدث في صوت واحد وبعقل واحد عن قضايا الأمة العربية.. فقد تكونت مجموعة (الست زائد اثنين 6+2) وهي دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى كل من: مصر والأردن، وتشكل هذه القوى -في نظري - أصوات العقل العربي التي تحرص أيما حرص على الدفاع عن قضايا العرب وخدمة تحقيق السلام في المنطقة. وقد شاهدنا أكثر من مؤتمر صحافي لرايس مع نظرائها ومضيفيها العرب خلال هذه الجولة الهادئة، وكانت تشير إلى نقطتين جوهريتين، هما: 1- التخلي عن فكرة المشاريع الأمريكية في المنطقة، بتسميات مختلفة، مثل الشرق الأوسط الكبير، أو الشرق الأوسط الجديد.. ولم تشر إلى مثل هذه المشروعات.. ولكنها في نفس الوقت أكدت حرص الولايات المتحدة على تعميم الديمقراطية في المنطقة من دون أن تأخذ الصفة الإملائية على حكومات المنطقة، بل كانت تسعى هذه المرة إلى تشجيع الجهود التي عملتها الحكومات خلال السنوات الماضية في هذا الاتجاه. 2- من الملاحظ بوضوح أن الوضع الداخلي الأمريكي للرئيس جورج بوش ودخوله في مستنقع العراق قد أثر كثيراً على نفسيات التناول الأمريكي لقضايا المنطقة، ولا شك أن الشعبية المتدنية للرئيس بوش، والهجوم الإعلامي على سياساته في العراق، والكتاب المهم الذي أصدره وودورد عن (حالة الإنكار) الذي اتهم فيه الأجهزة الأمريكية بسياسة الإخفاء عن مآسي دموية في العراق لا يتم الإعلان عنها للرأي العام الأمريكي.. كل هذه الظروف تصب في حالة نفسية مؤثرة على الوضع الأمريكي في المنطقة.. ولهذا فقد كانت رايس تعمل في إطار من هذه الحالة التي كانت تلف واشنطن. 3- زيادة قناعة الإدارة الأمريكية وخاصة الرئيس بوش ووزيرة خارجيته رايس بأن القضية الفلسطينية هي محور البراكين والزلازل التي تجتاح المنطقة، ولهذا كما أكد ذلك الأمير سعود الفيصل مراراً وخلال زيارة رايس الأخيرة للمنطقة بأن هذه القضية هي التي يجب أن تحظى باهتمام العالم، وهي مصدر التهديد للأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط بل وفي العالم. وأعود الآن إلى المجموعة العربية من الثماني الدول العربية، وهي التي التقى وزراء خارجياتها بكونداليسا رايس في القاهرة قبل أيام، وتباحثوا في دفع عملية السلام في المنطقة وحل الأزمة الداخلية في الوضع الفلسطيني.. وقد رأى بعضهم أن هذه المجموعة تمثل حلفاً جديداً في المنطقة، رغم نفي جميع الأطراف أن هذه المجموعة ليست حلفا ضد أحد.. بل إن التجانس في المواقف بين هذه الأطراف تجاه تحريك قضايا المنطقة، وحرص هذه الدول على الضغط على الولايات المتحدة تحديداً لتحريك عملية السلام في المنطقة وبالتالي ضغط الولايات المتحدة على الطرف الإسرائيلي للاستجابة لاستحقاقات السلام مع الفلسطينيين هو الأساس في هذا التجمع الخلاق بين هذه الدول العربية. وفي نظري الشخصي أن دول الثماني هي صوت العقل الذي يصدح في سماء الأمة العربية، وهي التي تواجه كل المخططات والأعمال التي تستهدف تقويض الوحدة العربية، أو تفتيت الصف العربي.. وهي أول من يصرخ في وجه العدوان على الأمة العربية أو على أي دولة من دول عالمنا العربي، وهي أول من يتحرك سياسياً، وأول من يبادر لوضع الحلول المناسبة لمشاكلنا في المنطقة.. ولهذا فمجموعة الثماني العربية ستكون قادرة بمشيئة الله - مجتمعة- على الدفاع عن قضايانا ومصالحنا العربية.. وستشكل قوة سياسية واقتصادية مهمة في منطقة الشرق الأوسط، ننتظر منها الكثير في إدارة الشأن السياسي العربي في المستقبل.
(*)رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa |
|
|
| |
|