| |
عندما يصبح القاتل والقتيل فلسطينياً..!! عادل أبو هاشم
|
|
مرة أخرى يصبح القاتل والقتيل فلسطينياً تحت ذريعة أزمة الرواتب..!! شاهدنا ذلك في أحداث غزة المؤسفة الأخيرة، وفي العديد من القضايا التي لا داعي لذكرها وكأن هناك إصراراً من بعض قادة الأجهزة الأمنية على تحويل السلطة التي - كانت وما زالت - حلم الفلسطينيين إلى نظام قمعي متخلِّف يصادم أحلام وآمال وتطلعات شعبهم..!! لا نريد توزيع قرابين التهم على أحد، فالقضية أكبر وأخطر وأدق من أن تفتح فيها المعارك الجانبية، وحسبنا ما عانيناه في الستة أعوام الماضية من حملة تطهير عرقي إسرائيلية لكل ما هو فلسطيني أمام أنظار العالم المتحضر! ففي هذه الأيام التي جسَّدت دماء شهداء وجرحى انتفاضة الأقصى المباركة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تُعتبر أعظم سلاح في يد شعبنا المناضل، هذه الوحدة التي عمدت بالدم الفلسطيني وقوة الحق الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب والدمار الإسرائيلية، والحالة النضالية التي تتطلَّب توظيف جميع الطاقات من أجل الحفاظ على مكتسبات الانتفاضة المتمثلة في إنهاء الاحتلال لقطاع غزة، ينزف الدم الفلسطيني مرة أخرى، ويستمر تساقط الشهداء بالمجان..!! ولكن هذه المرة بأيدٍ فلسطينية..!! ويتساءل الإنسان الفلسطيني: ما الذي يحدث هذه الأيام بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد؟ هل أصبح الدم الفلسطيني رخيصاً إلى هذا الحد حتى يُراق هكذا بسهولة ويقتل الفلسطيني أخاه بدم بارد في تصعيد خطير في التعامل بين الفلسطينيين وخرقاً لمبدأ حرمة الدم الفلسطيني؟! ما هي الأسباب التي تدفع بالفدائي السابق الذي حمل السلاح ليدافع عن أبناء شعبه وخاض عشرات المعارك طوال عشرات السنين ليتحوَّل إلى بلطجي وقاتل وجلاّد؟! وكيف نجح العدو الإسرائيلي وعملاؤه في دفع إخوة السلاح لإطلاق النار على بعضهم البعض - بدلاً من إطلاق النار على هذا العدو - لتحقيق ما كان يحلم به. ومن هو القائد الذي أمر عناصر الأجهزة الأمنية بالتظاهر وإغلاق الطرق الرئيسة والتخريب وحرق مقرات الحكومة الفلسطينية؟! ألم يسمع هذا القائد وغيره في الأجهزة الأمنية الفلسطينية تهديد عصابة القتلة في الحكومة الإسرائيلية بالتهديد بإعادة احتلال قطاع غزة، وباستمرار مذابحها (الهامة والمكللة بالنجاح) في قتل الأطفال والنساء في الضفة الغربية وقطاع غزة..؟! ألم يقل شمعون بيريز بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة في عام 1994م: (لقد نفضنا أيدينا من دم الفلسطينيين وستتولى شرطتهم هذه المهمة من الآن فصاعداً.. ولتغرق غزة في الدم)؟!! وألم يتمن رابين ذات يوم أن تغرق غزة في البحر؟! تساؤلات كثيرة تلح بإجابات ضرورية لتأطير المرحلة الفلسطينية الراهنة ليتحقق الفهم المطلوب وليتم استيعاب تفاصيلها على أساس واقعي. للتاريخ فإن القائد الفلسطيني الراحل خالد الحسن (أبو السعيد) الذي نفتقده في هذه المرحلة كأحد أعمدة الفكر السياسي الفلسطيني، كان أول من حذَّر من ظاهرة قتل الفلسطينيين بأيدي شرطتهم بعد دخول هذه الشرطة مناطق الحكم الذاتي بعد توقيع اتفاق القاهرة بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية في مايو 1994م، وفي لقاء مطول مع (أبو السعيد) تنبأ بما يجري هذه الأيام في أراضي السلطة الفلسطينية، وعندما أبديت استغرابي لهذا الطرح مذكراً إياه بالوحدة الفلسطينية والتلاحم منذ انطلاقة الرصاصة الأولى في يناير 1965م وحتى الآن، ذكر (أبو السعيد) القصة التالية: عندما استلم شارل ديغول رئاسة فرنسا، كانت الشبهات تحوم حول أحد كبار الموظفين في قصر الرئاسة بأنه يعمل لمصلحة دولة كبرى، وقد عجزت كل الأجهزة الأمنية المختصة عن الوصول إلى دليل مادي لتحويل التهمة من شك إلى قضية مادية، وفي النهاية رفع الأمر إلى ديغول حيث قام باستدعاء المشتبه به إلى مكتبه، وحال دخوله استثمر الرئيس الفرنسي عنصر المفاجأة وهيبته الرئاسية فطرح على الموظف بشكل مباشر وصريح السؤال التالي: منذ متى وأنت تعمل لمصلحة دولة (...)؟ فأجابه الموظف برد فعل سريع: منذ عشر سنوات..!! واستمر الحوار كالتالي: ديغول: كيف تتلقى التعليمات؟ الموظف: لا أتلقى تعليمات. ديغول: وكيف ترسل تقاريرك؟ الموظف: لا أرسل أي تقارير. ديغول: كيف يتم الاتصال بك إذن؟ الموظف: لا يُوجد أي اتصال. ديغول: كيف تعمل إذن لصالح دولة (...)؟ الموظف: إن مهمتي تنحصر من خلال موقعي بأن أختار دائماً أسوأ الموجودين من حيث الفهم والاختصاص إلى عضوية اللجان التي تبحث المواضيع المطلوب دراستها وتقديم التوصيات بشأنها لتكون التوصيات أبعد ما تكون عن الصواب وقد قمت بهذه المهمة منذ ذلك الوقت حتى الآن..!! وهنا أحسست بعمق الألم الذي يعانيه كل أولئك الذين ينادون بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعد أن وعى هؤلاء الظاهرة الممتدة في وطننا العربي التي تُعطى فيها الأولية للولاء الشخصي بدلاً من الولاء والانتماء الوطني القومي، وإلى حسن الحديث في المديح والإعجاب بدلاً من الكفاءة وشجاعة إبداء الرأي، كان (أبو السعيد) يخشى من أن يكرر البعض تجربة الفاكهاني في أراضي الحكم الذاتي..!! إن ما حصل في غزة وخان يونس ودير البلح ورفح يُشكِّل تصعيداً خطيراً في التعامل مع الفلسطينيين وخرقاً لمبدأ حرمة الدم الفلسطيني، هذا الدم المستباح إسرائيلياً ويحاول البعض من أبناء جلدتنا استباحته أيضاً!! فعندما تتحوَّل وجهة البنادق الفلسطينية لتصوّب في اتجاه الصدور الفلسطينية فهذا يعني أن حامل هذه البندقية إنما يمسك بالبندقية الإسرائيلية هذه المرة، ويوفر عليها مشقة إكمال مهمتها الأزلية في هدر المزيد من الدم الفلسطيني.. كل الدم الفلسطيني، وأياً كانت الأسباب التي أدت إلى ما حدث، فإن دم الشعب الفلسطيني أقدس من أية قضية يزعم البعض الدفاع عنها! إن على الفلسطينيين الذين عرفهم العالم بأنهم رواد في الدراسات التأصيلية التي تضع القضايا مهما تشابكت وتعقدت أو تفرعت وتشعبت في إطارها وحجمها الصحيح أن يدركوا بشكل جلي أن المستفيد الوحيد من تناحرهم على أرض وطنهم هو العدو الإسرائيلي كما كان المستفيد الوحيد من علاقاتهم المضطربة في الخارج قبل تأسيس السلطة الوطنية، وأن أية اضطرابات في الشارع الفلسطيني لن تصب في مصلحة أي طرف سوى هذا العدو الذي سيستثمر ما يجري على الأراضي الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية تدعم موقفه في كل اتجاه. إن أمل إسرائيل بجميع أحزابها هو قيام حرب فلسطينية أهلية شاملة، ليس بين الحكومة الفلسطينية وأفراد الأمن وإنما بين كل هو ما هو فلسطيني وفلسطيني..!! وإن أمنية إسرائيل أن تتحول مناطق الحكم الذاتي إلى مناطق للقتل الذاتي الفلسطيني..!! لقد جاءت أحداث غزة الأخيرة بمثابة دق جرس تنبيه لرؤية الظلال القاتمة على مسيرة الحوار الوطني الفلسطيني التي طالما تشدق بها الجميع بعد إفراغ هذا الحوار من محتواه ومن الأسس التي بُني عليها. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كيف نتجنب تكرار هذه المأساة في المستقبل والبُعد عن الاحتكام إلى السلاح بين أبناء الشعب الواحد الذي سيجر إلى ويلات كثيرة على رأسها إغراق أرض فلسطين في حمامات دماء قوامها الثارات والثارات المضادة، إضافة إلى إتاحة المجال للعدو الإسرائيلي في تحقيق حلمه بالتصفية التامة لقضية فلسطين أرضاً وشعباً ومصيراً؟!
|
|
|
| |
|