الذائقة الجمالية لدينا لا تزال تعيش مرحلة التجاذب بين مرحلتين؛ مرحلة الولاء للمدرسة الواقعية ومرحلة الاندفاع والهرولة خلف كل ما هو جديد من معطيات عصرية مختلفة بما في ذلك معطيات الفن التشكيلي، حيث إن المدرسة الواقعية التقليدية لا تزال تحظى بولع الغالبية من الناس خاصة ما يتعلق بمعطيات الموروث الشعبي سواء في البناء والعمارة أو الحياة الاجتماعية وأنماط الحياة بصورها المتعددة أو القطاع والأواني والتحف القديمة أو ما هو منقول بشكل مباشر من البيئة والطبيعة والصحراء والبحر وخلافه.
وما تشهده الساحة المعاصرة من تحولات تكاد تكون جذرية في معظم مناحي الحياة سواء في مجال الاقتصاد أو الحياة الاجتماعية والتقنية ووسائل الاتصال، وهذه الأخيرة تكاد تكون التحول الأكبر الذي قلب كل الموازين وعصف بأنماط ومعطيات وسلوكيات الحياة التقليدية من خلال طرح ثقافات وبدائل حياتية جديدة فرضت نفسها وأصبحت واقع ملموس.. ونتيجة لكل هذه التحولات أصبح لدينا ثقافة جديدة كان لها دور كبير ربما في الارتقاء بالذائقة البصرية وبالتالي أصبح لدينا جيلين من (الأمزجة) الجيل الكلاسيكي الذي لا يزال يبحث عن اللوحة الواقعية بمواضيعها ومضامينها ومعطياتها المباشرة وجيل يحاول أن يصل إلى اللوحة المعاصرة بكل معطياتها التقنية واللونية والجمالي،ة ومن هنا فهو يحاول اقتناء اللوحة كناحية (ديكورية) ربما دون القدرة على تفكيك رموزها التجريدية، وبالتالي إدراك القيم الجمالية لها والوصول إلى الرؤى والمضامين المندرجة خلف جزئيات العمل.
هذه الحالة أوجدت لدينا أيضاً نوعين من المشاهد (المتلقي) النوع الأول وهو الغالب أو هم الأكثرية من وجهة نظري وهم هواة اللوحة الواقعية التي تستمد عناصرها وأشكالها من التراث والطبيعة الصامتة ومعطيات البيئة بكل معطياتها وصور الحياة الاجتماعية وخلاف ذلك والنوع الثاني وهو الأقل هم من يبحثون عن الأعمال (الحديثة) الأعمال التجريدية بكل غموضها وطلاسمها المتعددة.
هذه التداعيات ألقت بظلالها على (سوق الفن) أن جازت التسمية أو دعني أقول (الاقتناء) لأن المقتني المحلي كما أسلفت لا يزال يهرول إلى محلات (أبو ريالين) ليجد مطلبه في أعمال ولوحات ساذجة وتقليدية مباشرة أنتجت بطريقة (الكم) مما أضر حقيقة بسوق الاقتناء للوحة المحلية مما حدا بالبعض من الفنانين إلى أن يركب الموجة ويساير الركب بالتحول عن مساره الحديث والعودة للواقعية وإنتاج أعمال واقعية تقليدية إرضاء (للزبون) وتلبية لاحتياجاته وذوقه.
للحديث بقية.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7322» ثم أرسلها إلى الكود 82244