من الجميل أن نقرأ بين الفينة والأخرى... آراء بعض التشكيليين حول الجمعية السعودية للفنون التشكيلية عبر الصحف الفنية، وأخص بالذكر ما يكتب في المجلة الثقافية لجريدة الجزيرة... صاحبة المبادرات... المتتالية والساخنة الموجبة، إلا أني أرى أنه من المفترض أن نبتعد عن السطحية هنا... وهنالك... في الطرح والتناول من حلال تقديم المفيد لهذه الجمعية الفتية...، والاستباق لاستخلاص النتائج... فما زال المشوار طويلا، على الرغم من تأخر مثل هذا المشروع عن بقية الدول المجاورة، فلا ضير في ذلك فقد قيل: أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي... إلا أني أرى أن الأجمل من هذا... وذاك... الوضع في الاعتبار الأمور الاعتبارية لمثل هذه المشاريع الحضارية، التي قد تخفى عنا...... خصوصا التي تستوجب التأني وعدم الاستعجال، من خلال إعادة النظر في الكثير من الأمور... ذات الطابع الاحترافي الذي لا يقبل فيها الاجتهادات الشخصية... ومن ثم إقرارها من الجهات العليا... فالغالب منا... يرى ضرورة إعادة النظر في لائحة النظام المقترحة، وأهدافها ووسائل التنفيذ، حيث مثل هذه الأمور لا بد وأن تحبك جيدا وبشكل احترافي، والنظر إليها بمنظار يغطي مجالات الرؤية... من جميع الاتجاهات دون انغلاق، إلى جانب تلمس أبعاد المشروع كفعل اجتماعي جمالي فكري ثقافي... ذات دور قيادي على المستوى العالمي ومستوى العالم الإسلامي والعربي في آن واحد.
ففي العدد (203) من المجلة الثقافية ليوم الاثنين الموافق 3- 6-1428هـ، زاوية (وميض) للأخ الفنان/ عبد الرحمن السلمان، تحت عنوان: (عودة إلى جمعية التشكيليين) حيث قام بالتحذير من الوقوع في شبك ازدواجية المهام، وهو تحذير له مبرراته من واقع التجربة... وهذا ما كنا نخشاه، إلا أن الأخ السلمان قد ساق إلينا تصريح د/عبد العزيز السبيل، المطمئن في هذا الجانب... ولكن ما أرق مضجعي... القول أنه لن يكون هنالك وجود قسم للفنون التشكيلية في الجمعية السعودية للثقافة والفنون، والتساؤل المطروح في هذا المقام.. لما...؟ طالما هنالك ضوابط تؤمن عدم وجود ازدواجية في المهام... ولِمَ لا نعدها (الجمعية الثقافية) قناة من القنوات الثقافية الفنية الرافدة التي تصب في منبع النهر الثقافي للمجتمع...؟ بحيث يكون لها مهام وواجبات ومسؤوليات أخرى... مساندة تدعم وتآزر الجمعية الأم مما يخلق نوعاً من التنافس الموجب، فالحل ليس في المصادرة... بل نحن في أمسّ الحاجة للتعددية في التوجهات... وفق ضوابط ونظم ومعايير ملزمة لجميع الأطراف.
فمثل ذاك الخبر لا يسر بقدر ما بعث في نفسي الكثير من الإزعاج والكدر... والعديد من التساؤلات...التي لا ترى أي مبرر لإقصاء مهام جمعية الثقافة... فمن الأفضل بمكان استغلال إمكاناتها... في الدعم والمساندة، خاصة ونحن نعلم أن الجمعية الجديدة ليس بمقدورها التغلب على الكم الهائل من الصعوبات والعقبات... أنا هنا... لا أتحدث عن أشخاص بل عن أدوار إيجابية حالمة لعدة قنوات تخدم الثقافة البصرية، كل يلعب دوره حسب إمكاناته... وفق معايير مقننة، بعد تحديد المهام الموكلة لكل قناة... فالمجموعات التشكيلية أجدها أيضا قنوات فعالة لا بد لها من لعب دورها في هذا المضمار... وألا نستخف بدورها وإن كان متواضعاً فما أحوجنا للمغامرة وخوض غمار التجربة الميدانية ففي ذلك ثراء... إذ لا داعي للتخوف... من مثل هذه القنوات طالما أننا نملك من الفكر والوعي مما يجعلنا قادرين على تجاوز الخلافات الشخصية والطعن في الآخر... خاصة وأن القرارات سوف تصدر عن طريق الإجماع، الذي يرفض وبشدة الوصاية على الفن.
أعود مرة أخرى إلى ما طرحه أخي أبو (محمد) فيما يتعلق ببعض الأمور ذات العلاقة بالمصطلح والمفهوم، حيث تحدث عن العديد من التجمعات التشكيلية التي تحمل صفة الجماعات، ولا أدري على أي أساس اعتبر الكاتب تلك التجمعات تحمل صفة الجماعات التشكيلية، والحقيقة أنها شكلت مجموعات تشكيلية لا جماعات... مجموعات تشكيلية متصالحة مع ذاتها... حيث أنها لا تشكل توجهاً أو تياراً فنياً يمثل فكراً فلسفياً معيناً.
أما موضوع مدى ما تضفيه تلك المجموعات على الساحة التشكيلية فذاك يتوقف على عدة عوامل... بعد تحقيق تلك المجموعات لأهدافها الخاصة، كما أن الظلال الذي ترميه على الساحة ذا طابع محدود الأثر، مع احترامي الشديد لجميع الجماعات التشكيلية، فهي تبحث في المقام الأول قضية الانتشار ومن ثم التعريف بأعضائها... بمعنى مناشدة السبق الإعلامي، والشاهد هنا... ما ألمح إليه الكاتب في سياق طرحه عن دعم هذه الجماعات في المحافظات البعيدة عن كبريات المدن بالمملكة، الذي يفترض أن يكون لها حضور وتواجد على الساحة... كغيرها من الجماعات... فالمفترض شيء والواقع شيء آخر... وهنا يأتي الدور الأساسي الذي تلعبه المجموعات في التعريف بفنانيها وفنون محافظاتها... حيث إن نشاط هذه المجموعات يعد مصدراً من مصادر اكتشاف المواهب الإبداعية.
وفي المقابل نجد أن دور الجماعات التشكيلية يتجاوز ذلك الدور المتواضع إلى دور أعمق أثراً... حيث تبني الجماعات توجهاً وفكراً فلسفياً معيناً... تعمد على نشره... والدفاع عنه... وإن ظهور هذه النوعية من الجماعات لم يشاهد في وسطنا الفني، وهذا مؤشر يؤكد أننا ما زلنا في بداية الطريق... مما يستوجب علينا الكثير من الجهد والعمل من خلال نبذ الخلافات الشخصية والميل إلى الحوار البناء. وعليه أرى ألا نحمل الجمعية (الحلم) القادم ما لا تحتمل من مهام ومسؤوليات، إذ إنها ليست مجرد جمعية... بل هي مشروع جمالي مستقبلي قابل للتنامي، لذا يستوجب الأمر منا... عدم استباق الأحداث... والتحلي بالصبر... فلسنا في مضمار سباق... خاصة وأن هنالك اعتراف بأسبقية دول الجوار في مثل هذه المشاريع... إلا أني متفائل جداً وأقول ليس الأسبقية لمن بدأ أولاً... بل الأسبقية لمن يستفيد من خبرات الآخرين وخبراته... فيعمد على تصحيح الأوضاع غير المتناسقة في الوسط التشكيلي والساحة التشكيلية للالتقاء على لحمة الفن... بالابتعاد عن حمل الشعارات... والتغني بها... فالتخطيط ينبغي أن يكون مستقبلياً... لا آنياً... قابل للذبول والزوال... فالساحة التشكيلية حبلى بالمحن والقضايا المتراكمة... المستوجبة التخفيف من أثر معاناة التشكيليين... هنالك ما يسمى بتعبيد الطرق وتقريب المسافات... إنها أولى الخطوات التي ينبغي على أعضاء الجمعية الاشتغال بها... كالخلط في المصطلحات والمفاهيم، وانقلاب الموازين... والتخبط نتيجة انعدام الوعي، إلى جانب انخراط مدعي الفن والطفيليين الوسط التشكيلي، إضافة لسعينا إلى العمل على تغيير الأفكار والمفاهيم تجاه هذه الثقافة البصرية التي عانت وما زالت تعاني من انعدام في الوعي، مما تسبب لنا... في عسر للهضم، وعدم القدرة على الاستيعاب.