ما هو سر عداوة الرعاة للذئب وعداوة الذئب للكلاب؟ هذا هو التساؤل الذي يبرز اسم الذئب أو يخطر على بال الإنسان، فالمعروف أن الذئب تجتمع فيه كل الصفات الخبيثة؛ المكر والغدر والخطف والإضرار بالفرائس، فهو عندما يهجم على قطيع من الغنم لا يكتفي بما يشبع جوعه من واحدة بل لا يترك أرض الغزوة إلا وقد أوقع عدداً من الأغنام بين قتيل وجريح لا لطرد الجوع بل للإضرار؛ ولذلك يستعد الرعاة الذين يكونون دائما على الإهبة والاستعداد لطرده عن القطعان من المواشي مع الاستعانة بالكلاب لا لشجاعة الكلاب وخوفه من مواجهتها؛ بل لأنها تنبح بأصوات عالية تثير الضجة فيصحو النائم ويقبل البعيد ويجتمع أهل الحي في شبه مظاهرة لملاحقة الذئب الغازي، وكذلك هو يخشى من النور؛ لأن النور يكشف موقعه ويدل على مرمى القذيفة منه والحديث عن الذئاب والكلاب طويل، فصّله أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه (الحيوان)، وبين يدي الآن كتاب أنيق عنوانه (الذئب في البلاد العربية) قام بإعداده الباحث في التراث العربي الأستاذ علي بن محمد الحيردي الذي سبق أن ألف عن الإبل في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج وبحث في العمارة التقليدية، كما أنه كاتب رواية وقصة قصيرة صدرت له روايتان وثلاث مجموعات قصصية.
وكتاب الذئب يعد البحث الأول الخاص عن الذئب في البلاد العربية كما يقول المؤلف، وقد أهداه إلى جميع الذئاب الحقيقية على وجه الأرض؛ في قمم الجبال وفي الأودية السحيقة والغابات الكثيفة، الذئاب الصادقة التي تعوي عندما تجوع فتظهر على حقيقتها تفعل كما خلقها الله الذي أودع فيها غريزة الجوع والشراسة التي تعجز عن محوها من تكوينها الطبيعي الذي فطرها الله عليه إلى آخر ذلك الإهداء المعبر عن إخلاص الباحث لبحثه وتفرغه له.
ويبدأ المقدمة بتساؤل: ما هو الداعي للكتابة عن الذئب وبذل الوقت والجهد بشأن هذا المخلوق الشرس الذي يتواصل العداء بينه وبين الإنسان عبر أزمنة بعيدة من التاريخ البشري؟
ويجيب على هذا التساؤل بقوله: في الواقع إني فكرت بالكتابة عن الذئب إثر شروعي في كتابة بحث عن الإبل، وكذلك رواية قبل عدة سنوات كان للذئب دور في تلك الرواية فبحثت عن كتب تتحدث عن الذئب ولكنني لم أعثر على كتاب مختص للتعريف بالذئب سوى معلومات متفرقة في عدد من المراجع.
ثم تحدث عن وجود الذئب في جزيرة العرب، أما أنواع الذئب فهي نوعان؛ الذئب العربي الذي يعيش في جبال الشراة ووادي السرحان ومنطقة الأزرق، وذئب الغابات ويعيش في جبال الشراة ووادي السرحان والمناطق المحيطة بالعقبة.
ويتساءل.. لماذا الذئب هو الرمز المهيب للافتراس في جزيرة العرب، وهل السبب أن بقية السباع مثل الأسود والنمور أقل انتشاراً في صحراء جزيرة العرب منذ زمن بعيد؟
أما صفات الذئب فإن له جمجمة مستطيلة وأضراسه قوية، ولديه سرعة في الجري يستطيع بها أن يلحق الطريدة مهما كانت سرعتها وقدرتها على المراوغة، وهو خفيف طويل القوائم وأنيابه طويلة مثنية إلى الخلف ويغلب على لونه السواد (أسحم).
والذئب لا يؤمن غدره وتنكره للجميل مهما قدم له الإنسان من العمل الطيب، وقد ورد ذكر الذئب في القرآن الكريم في سورة يوسف، كما وردت عدة أحاديث ذكر فيها الذئب خصوصا الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد من حرص الرجال على المال).
وفي هذا الحديث مذمة الحرص وبيان إفساد الذئب، لأنه لا يكتفي بقتل واحدة يأكل منها كفايته بل يتعدى ضرره إلى جميع الغنم الموجودة حوله إن مكنه الوقت من ذلك، كما يقول الهذلي:
===========================
باليت شعري عنك والأمر أهم
ما فعل اليوم أويس بالغنم
===========================
(وأويس) كنية الذئب عند قبيلة هذيل، وعندما يريد الذئب العدوة على ضحاياه فإن أنسب الأوقات لديه (الغبشة) وهي بعد الفجر وبعد غروب الشمس؛ حيث يموه لونه في هذين الوقتين ويمثلون للفساد العام، أن يكون الحامي هو الحرامي كما قال الشاعر القديم:
===========================
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها
فكيف إذا الرعاة لها ذئاب
===========================
ومثل هذا قول الشاعر عمر أبي ريشه:
===========================
لا يلام الذئب في عدوانه
إن يك الراعي عدو الغنم
===========================
وقد تحدث المؤلف عن الذئب في التاريخ البشري والأساطير, ثم يورد قصصا قال إنها واقعية عن الذئب ومعايشة أهل الصحراء له ويورد بعض الطرائف التي كان للذئب دور فيها:
ومن مواصفات الذئاب أنها لا تعبأ بالرفقة أو القرابة، فما أن يصاب أحد أفراد القطيع بجرح ينزف دماً حتى يهجم عليه بقية القطيع نهشاً وتقطيعاً حتى يتلاشى ذلك الجسد الذي كان قبل قليل حيوانا ذا وجود وحركة ومشاركة في الاعتداء على الناس والبهائم في حرب ضروس دافعها الإيذاء وعن تداخل الأساطير بالواقع لدى الشعراء عن الذئب قال:
للذئب في أساطير جزيرة العرب حظ وافر من الذكر والمجابهات معه، لكنه يتحدث عن بعض صفات الذئب وأسمائه دون أن تدخل الأسطورة في إيضاحه، وقد عوض ذلك بفصل عن طرائف حول الذئب، حيث أورد بعض القصص الواقعية التي حكاها له أشخاص معاصرون؛ وهي أحداث تلقي الضوء على ما تختزنه صحارى جزيرة العرب من أماكن مجهولة وحيوانات تجوب تلك الصحراء وتختبئ في الأغوار، إلى جانب كون تلك الصحراء الشاسعة كانت ميدانا لغزوات اللصوص وقطاع الطرق قبل أن يستتب الأمن في هذه الربوع على يد الملك عبدالعزيز، ومن مظاهر الخبث والحيلة لدى الذئاب ما حكاه محمد بن علي المازني من تهامة قال: كانت الذئاب عندما تعدو على الغنم تترافق مع بعضها فكل اثنين تعدوان على رعية (قطيع) فإذا وجدا غفلة من الرعاة هجما فإن لم يجدا غفلة يقوما بالتمويه فيبرز أحدهما أمام الراعي ليشاغله عن رغبته ثم يهرب فيطارده الراعي لافتا نظر الرعاة إلى تلك المطاردة فيهجم الذئب الآخر على مؤخرة القطيع فيختطف إحدى الأغنام ويهرب بها وعندما يتأكد صاحبه أنه افترس تلك الفريسة يطلق أقدامه للريح حتى يلتقي بشريكه فيقسم الغنمة قسمة أنصاف بلا زيادة ولا نقصان.
وفي مقارنة بين ظلم الذئب للقطعان وبين ظلم الإنسان لأخيه الإنسان يورد بعض الشواهد التي أجتزئ منها ما يلي:
فمن قول ابن مقرب العيوني:
===========================
فما أحسست به إلا أنثنيت هزما
ونكهة الذئب لا تخفى على الغنم
لا تركنن إلى من لا وفاء له
الذئب من طبعه أن يقتدر يثب
وواضع الجود في أعداء نعمته
كمودع الذئب في برية غنما
===========================
ومن أقوال أبي العلاء المعري:
===========================
أضعت شاءً جعلت الذئب حارسه
أما علمت بأن الذئب حراس
لو حاورتك الضان قال حصيفها
الذئب يظلم وابن آدم أظلم
وأكثر الناس قبل الذئب تصحبه
إذا تبين منك الضعف أطعمه
===========================
ولعل الفصل المهم في هذا الكتاب حديث المؤلف عن إبادة الذئاب حيث يقول:
ولأن الذئب مسرف في القتل، غدور؛ لذلك يهاجمه الناس ويقتلونه تشفيا وثأراً لمواشيهم التي ربما افترسها أو يخاف أصحابها من أن يفترسها مستقبلا؛ لذلك بادروا في قتله ومع اعتبار تخوفهم منه إلا أنني لا أستسيغ الإسراف في إبادة الذئاب مهما كانت المببرات، فالله لم يخلقها عبثا فكل مخلوق في هذه الحياة له دوره الفاعل في هذا الكون، ومن المنطق أن نتقيه ومن غير المنطق أن نقضي عليه إلا بحدود حماية أنفسنا وممتلكاتنا بشكل معقول، أما أن نقوم بعملية إبادة شرسة لها فهذا من وجهة نظري غير صحيح؛ وذلك لأسباب قد لا يوافقني عليها البعض، لكن لو تمعنا فيها لوجدنا أنها مقبولة ومعقولة، فلو أننا أبدنا جميع الذئاب، ونمت بقية المخلوقات نموا، هائلا فلن نتمكن من العيش، ولأبيدت مخلوقات ونباتات أخرى من الضروري وجودها، خلقها الله لتوازن الكون واستمراريته.
لذلك فإنني ضد إبادة الذئاب والقضاء عليها بشكل جائر وغير مبرر، وأتمنى وأنادي الجهات المسؤولة وأخص الهيئة العامة لحماية الحياة الفطرية بأن تمنع إبادة الذئاب في بلادنا لحفظ جنسها من الانقراض، كما انقرض أو كاد ينقرض غيرها من المخلوقات، مثل النمر العربي الذي صار الناس يتباشرون بوجوده في بعض أودية عسير، وكذلك الغزلان، والنعام التي كاد ينعدم وجودها بشكل طبيعي والذئاب على وشك الانقراض إذا لم تتم حمايتها بمنع قتلها، والخلاصة أن هذا الكتاب جيد موضوعا وتعريفا، فقد ألم الباحث بموضوعه عن الذئب في الماضي والحاضر وزواج بين الأسطورة والأدب الشعبي وما قيل فيه من الشعر العربي، والذئب كما يقول المؤلف من الفصيلة الكلبية إلا أنه يمتاز عن تلك الفصيلة بمميزات وعلامات فصلها المؤلف في ذلك الكتاب ولم يخل هذا الكتاب من بعض الأخطاء اللغوية والإملائية والطباعية لكنها بسيطة غير لافتة للنظر، وأهم ما أتمنى على المؤلف إن رغب في معاودة طبع الكتاب أن يتوسع في بحثه؛ لأن التراث العربي زاخر بالمعلومات عن كل الأحياء على وجه الأرض وأتمنى أيضا أن يؤلف عن حيوانات أخرى هي بسبيل الانقراض إما بسبب القتل الجائر وإما بسبب الحوادث والجوع، حيث أصبحت مصادر الغذاء محاطة بالأسوار والحراس والأنوار الكاشفة، وقد أحسن المؤلف أن ألحق كتابه مجموعة من الصور الملونة للذئب في كثير من حالات هجومه وعنفوانه. وفي الختام شكراً للمؤلف الذي اهتم بهذا الموضوع التراثي، وشكرا له أن أهداني نسخة من كتابه كما هي عادته دائما متمنياً له دوام التوفيق.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7699» ثم أرسلها إلى الكود 82244