-1-
قال الشابُّ لصاحبه الشيخ، وهو يشير إلى (فيلاّ) فخمة مبنيّة فوق مرتفع على يسار الطريق: لمن هذا القصر الرائع يا ترى؟
قال الشيخ: إنّه للمسؤول الفلانيّ، مدير المصلحة الفلانيّة، بناه من فائض راتبه الذي تدفعه له الدولة في آخر كلّ شهر! وسكت قليلاً قبل أن يهزّ رأسه، ويضيف قائلاً: كم هو الفرق بين أيامنا وأيامكم يا بني. في أيامنا كان السارق يجتهد في أن يخفي ما يسرقه عن العيون حتّى لا يناله عقاب الحكومة أو احتقار الناس. أمّا في هذه الأيام، فإنّه يعرض سرقاته على قمم الجبال وهو يقول: يا أرض اشتدّي ما حدا قدّي.. تأمّلوا كم هي رائعة سرقاتي.. تأمّلوا وموتوا بغيظكم!
-2-
حدث هذا قبل عدّة عقود من السنين، وفي بلدة النبطيّة في جنوبي لبنان.
كان أحد الشعراء ينتظر صديقه، وابن بلدته، مدير الاقتصاد الوطنيّ اللبنانيّ في تلك الأيام، أمام قصر هذا الأخير. الشاعر كان يعرف أنّ والد صديقه المدير كان إنساناً متواضعاً. فقد كان مكاريّاً يكسب عيشه من أجور نقل الناس أو أمتعتهم، على حماره أو بغلته. وحين أقبل الصديق المدير، تطلّع الشاعر إليه وإلى القصر وراءه، ولم يملك إلاّ أن يهتف به قائلاً:
يا مدير الاقتصاد الوطني قل لنا من أين أصبحت غني
لم تهاجر، لم تتاجر، لم ترث من أبيك الشهم غير الرسنِ!
-3-
رأى سيّدنا عيسى بن مريم، صلوات الله عليه، في ذات صباح، إبليس اللعين، مقبلاً عليه، وهو يسوق أمامه ثلاثة حمير مثقلة بأحمالها. سأله: ما هذه الأحمال يا إبليس؟ قال له: إنّها يا سيّدي بضائع أنا في طريقي لأسلّمها إلى أصحابها. قال له: أيّة بضائع هي، ومن أصحابها؟ قال: كما ترى.. هذا هو الغشّ، وهو للتجّار. وهذا الظلم، وهو للحكّام. وهذا النفاق، وهو للفقهاء أو المتفقّهين.
-4-
ورد في المجلّد 27 من مختصر تاريخ ابن عساكر، في الصفحة 380 منه، الخبر الآتي:
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لمّا توفّي عمر بن عبد العزيز، وولي يزيد بن عبد الملك، قال يزيد لأعوانه: سيروا بسيرة عمر. قال فأُتي بأربعين شيخاً، فشهدوا له أنّه ما على الخلفاء يوم القيامة حساب ولا عذاب!!