يتبادر إلى الذهن تلقائياً عند الحديث عن (توقيع الكتب) معارض ومحافل الكتاب، وما (التوقيعات) التي شهدها معرض الرياض المنصرم إلا أحد الشواهد.
بطبيعة الحال، نعرف جميعاً أن (التوقيع) يكون في العادة ب(المجان) من قبل مشاهير الطرب والرياضة والأفلام للمعجبين والمعجبات.. ولا غضاضة في هذا.. إذن الحكاية برمتها لا تخرج عن إطار المجانية..!!
انسحب هذا الشكل إلى الأوساط الثقافية والمعرفية، فأصبح المؤلفون يتهافتون على معارض الكتب لتوقيع و(بيع) مؤلفاتهم، إن كان ثمة مشترٍ أصلاً.. حيث يوقع المؤلف على كتابه للقارئ ليتجه بعدها إلى المحاسب كي ينقده ثمن الكتاب الموقَّع عليه..!!
هذا العمل التسويقي قد يليق في أي مجال.. لكنه لا يكون ملائماً في الأوساط الثقافية والمعرفية.. وحول هذا يقول أستاذنا الدكتور عبد الله الغذامي عندما سألناه عن موضة (توقيع الكتب): (يا ابني، أما الآخرون فلا شأن لي بهم.. سأكتفي بالحديث عن نفسي فقط.. أنا لا أستطيع ولا أملك أن أجلس أوقع كتبي لكي يشتريها القراء.. صدِّقني لا أستطيع.. بل لو دخل مصادفة أحد القراء وأنا في دار نشر أو مكتبة تبيع كتبي ثم تناول أحدها ليشتريه فلن أسمح له بأن يدفع ثمنه.. وسأدفع عنه قيمة تلك النسخة حتى لو لم أعرفه). ويضيف: (قد تقول إنني من جيل انقضى، وقد تقول إن لديّ عقداً نفسية، وقد تقول إن هذه ترسبات من تعاليم قديمة.. قل ما تشاء.. المهم أنني هكذا، ولا أملك أن أكون في غير هذه الصورة). هنا قاطعته وقلت: ولكن هذا الأمر (توقيع الكتب) متداول ومنتشر لدى الغرب وفي أوروبا، بل ربما في مختلف بلدان العالم؟ فأجاب: (صحيح، لكن هذا يعود إلى أن الجانب الاقتصادي لدى الغرب (محسوم سلفاً).. المسألة المادية عند الغربي والأوروبي واضحة ولا تحتمل النقاش.. بعكس ما هو موجود لدينا نحن العرب.. الكرم والعطاء والسخاء وصفات أخرى كالحياء والعفة والعزة.. تجعلنا نختلف عن الآخر في هذه الجزئية.. ويبقى أن لكلٍّ طريقته وأسلوبه في الحياة وفق قناعاته وثوابته ومبادئه.. مع تأكيدي بأنني لا أستطيع أن أوقع كتبي ليشتريها القارئ!!)).
أما ختام هذا الحوار فهو خبر قيام (أبو محمد )حالياً - أمدَّه الله بالسلامة والصحة - بالإعداد لإطلاق موقعه الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) قائلاً إنه سيهب للقارئ جلّ منتجه الثقافي والفكري والأدبي والمعرفي من محاضرات وبحوث وكتب ورسائل وما إلى ذلك.. لتكون متاحة لأي قارئ أو مستفيد وبأسهل الطرق.. مؤكداً أنه لا يزال متمسكاً برأيه/ مبدأه المتعلق برفضه إجراء أي تعديل على طبعات كتبه مهما كان الأمر.. فالقارئ الذي يشتري الطبعة الأولى من كتبه سيجدها الطبعة العاشرة من نفس الكتاب دون زيادة ولا نقص.. معتبراً أن هذا الفعل هو جزء من احترام القارئ، وتعديل الطبعات يعدّ نوعاً من أنواع الإخلال بالوعد والوفاء مع القارئ.. وهذا بطبيعة الحال ما يراه أستاذنا الغذامي لنفسه فقط وفق مبادئه الراسخه حيث إن للآخرين أن يصنعوا ما يشاؤون.