منذ انطلاقة المسابقات التشكيلية في الساحة المحلية، وهي تمر بالكثير من الإثارة وردود الفعل، شأنها شأن كل المسابقات العالمية وفي مختلف الفنون، ويمكن أن نضع المسابقات السينمائية مثالاً لاختلاف وجهة النظر وعدم الرضا بالنتائج، إضافة إلى ما نراه في مباريات كرة القدم، وما يحدث من آراء في التحكيم وغيره، هذا الواقع الذي تمثله اختلافات الرأي، تأتي في غالب الأوقات ضد النشاط أو العمل الذي تم تحكيمه، مع أنّ المفترض الاستفادة منه، فالاختلاف في وجهات النظر تؤدي في النهاية إلى الحلول، خصوصاً إذا جاء الطرح بشفافية وبلغة حوار راقية، تتاح فيها الفرص للحوار المباشر بين المحكمين وبين الفنانين، ممن يرون في التحكيم ما يخالف رغباتهم، أو يرون أنّ لديهم ما يمكن أن يلفت النظر لزوايا لم يرها المحكمون لتجاوزها في المسابقات القادمة، مع الاحتفاظ برأي اللجنة وقراراتها. ومع أنّ هذا التعامل لم يحدث من قبل، فإننا نأمل أن يتم في المناسبات أو المسابقات القادمة كأسلوب حضاري يجمع بين ثقة المحكمين بالأسس السليمة والعلمية التي يحكمون بها المسابقة، والقناعة بأنّ مثل هذه الحوارات تعود للساحة بالفائدة، من خلال التقويم والتصويب من أصحاب الشأن ممثلين بالفنانين التشكيليين.
تنوُّع مصادر الانتقادات
بعد انطلاقة أي مسابقة، يبدأ الفنانون في التساؤل والسؤال عن المحكمين، فتبرز الآمال وخيبة الآمال، فإذا كان أعضاء لجنة التحكيم فنانين يميلون إلى الفنون الحديثة، تباشر أصحاب هذا التوجُّه، وإن كان المحكمون من المعجبين بالتراث والأساليب الواقعية، فالتفاؤل سيظهر على وجوه الرسامين التسجيليين، إضافة إلى مشاعر بعض الفنانين حينما يكون أحد أعضاء اللجنة صديقه .. هذا الواقع لدينا عليه شواهد، ولدينا من المواقف ما يوثقه ويؤكده، منها ما لامسناه مباشرة، ومنها ما شاهدناه بالعين المجرّدة، ومع ذلك لم تكن النتائج كما توقّعها أولئك أو جاءت بناءً على أوهامهم، فتبدأ مرحلة نسج الأقاويل، منها ما أصاب مقتل ومنها ما جافى الحقيقة ليتحوّل النقد إلى انتقاد والتقليل من قيمة وأهمية لمحكمين، بالقول إنهم غير كفؤين أو أنّهم لا يفهمون عن التحكيم غير اسمه، أو أن اختيارهم كان نتيجة للعلاقات الشخصية، ومع أنّ الأقاويل والاتهامات تدور خارج إطار المواجهة فكلها صحيح وقد يغلب الخطأ فيها على الصواب.
سلبيات التحكيم
ولئلا يؤخذ علينا الدفاع عن لجان التحكيم، نقول إنّ كل تجارب التحكيم السابقة واللاحقة لم ولن تخلو من أي اعتراض أو عدم رضا، وقد تختفي أخطاء ويبرز غيرها، إلاّ أنّ ما تابعناه وشاهدناه من ردود فعل ظهرت على السطح أتت من نسبة قليلة من الفنانين ممن لم يحققوا الفوز، منها الإيجابي ومنها السلبي، مع أنّ هناك أصواتاً أخرى تحمّلت
الموقف واستسلمت للواقع وكأني بهم يقولون (تمر كما مر غيرها والقادم أجمل)، لعل وعسى أن تستقيم سبل التحكيم مع ما يقابلها من قناعات المشاركين، مع أنّ الأخيرة غير واردة نتيجة ما يشعر به كل فنان تجاه إبداعه ووجوب فوزه في المسابقات، وإلاّ فالأمر متعلق بالتحكيم والتنظيم.
بين التعالي والثقة .. شعرة
هناك فرق بينالتعالي والغرور وبين الثقة في النفس، ولكلٍّ من تلك الصفات أبطال وفرسان، والجميل في الأمر أن أصحاب الثقة في النفس هم الغالبية بينما الآخرون قلّة، ومع أن أصواتهم أكثر إزعاجاً للساحة التشكيلية وللجهات المعنية بها، يطلقون لألسنتهم العنان في كل مجلس وملتقى حينما يشاركون في مسابقات دون أن يحققوا أي فوز للنَّيل من زملائهم، مع أنّ لكلٍّ منهم تجربة سابقة في عضوية لجنان تحكيم ولم يسلموا من الانتقاد، وكانت مسابقتا الباحة والسفير أقرب المسابقات دليلاً على أنّ تلك الانتقادات ليست في مكانها، ولم تكن منطقية يراد منها التقويم والتصحيح، إذ لم تسلم المسابقتان من الهجوم، مع اختلاف لجان التحكيم وأسلوب العرض ومستوى الأعمال وقيمة الجوائز والأهداف، ما يجعلنا نكتشف أنّ ما يتم من أحاديث وأقاويل من هؤلاء خصوصاً من كان يعتقد بأهميته وبما حققه سابقاً من فوز كان يراه غيرهم أنه غير منصف، وأن هؤلاء لا يستحقون تلك الجوائز.
مرحلة التصنيف
نعود للقول إنّ المسابقات تحتاج إلى إعادة نظر مع أننا نعلم حجم المسافة بين ما تتطلبه الساحة من تطوير وبين ما يحمله المعنيون عن الفن التشكيلي من عدم قدرة على استيعاب الواقع، أو عدم القدرة على نقل مثل هذا المطلب إلى المسئولين الأعلى منهم من ممتلكي القرار بأهمية دراسة وتقييم التجارب السابقة ومحاولة ترتيب الأوراق، مع أنّ هذا الأمر ليس معضلة في وجود هذا الكم من الأسماء المعروفة التي لها من الخبرات ما يمكن أن يحقق الكثير لمستقبل هذا الفن في حال تشكيل لجنة تحدد فيها مدة قيامها بالمهام المنوطة، تتبعها لجان أخرى في دورات لاحقه، فتعدُّد المسابقات وتنوُّع الجهات التي تعدّها يتطلّب إيجاد آلية تحكم التنفيذ وتضع له الأطر ليتحقق الهدف منها، واذا عدنا لأهم المسابقات التي أقيمت في المملكة ومنها مسابقة ملون السعودية أو مسابقة السفير ومسابقة الباحة باعتبارها الداعم الأكبر والأكثر قبولاً وتجاوباً من قِبل المشاركين من منتسبي الساحة, مع التحفُّظ على ما وصلت إليه مسابقات الجهات الرسمية المعنية، خصوصاً فترة تواجد الفن التشكيلي ضمن اهتمامات الرئاسة العامة لرعاية الشباب، قبل انضمام هذا الفن لوزارة الثقافة والإعلام، حيث وصل الأمر في تلك الفترة إلى تضاؤل المشاركين من الفنانين المعروفين، نظراً لتراجع مستوى المشاركين ومستوى الأعمال، ونتيجة لفتح الباب
لمختلف التجارب والمحاولات لطلبة أقسام التربية الفنية للبنين والتربية الفنية والاقتصاد المنزلي للبنات .. هذا الخلط في مختلف التجارب مع تدنِّي مستواها أحدث ضبابية وعتمة أضعفت مستوى الرؤيا الأفقية لمستقبل المسابقات، ما يعني أن المرحلة القادمة تحتاج إلى نظام صارم ومدروس يحد من هذا الاندفاع من خلال تصنيف المسابقات وخصخصتها.
شروط ولوائح المسابقات
لا يمكن لأيِّ مسابقة أن تحقق أهدافها دون وضع شروط تتضمّنها لوائحها التنظيمية التي تنبثق من الهدف الأول لإقامة المسابقة، ولهذا يصبح لكل مسابقة شروطها، فمثلاً مسابقة السفير التي كان الهدف منها تجميل سفارات خادم الحرمين الشريفين في مختلف دول العالم التي يفترض أن يكون ضمن شروطها تحديد مستوى الفنان وحجم تواجده على الساحة وخبراته التي تشتمل عليها سيرته الذاتية، على أن لا تقل مشاركاته عن عدد معيّن يوضع ضمن الشروط، كما ينطبق التنظيم على مسابقة ملون السعودية التي كان الهدف منها تجميل مكاتب الخطوط في مختلف دول العالم، وهو هدف كبير ومهم لا يقل عن هدف مسابقة السفير، مع ما يرجى ويتوقع من مسابقة الباحة التي أصبحت الآن موعداً يحسب له الفنانون الحساب.
***
لإبداء الرأي حول هذا الموضوع أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«6461» ثم أرسلها إلى الكود 82244