لست أدري من أي أنواع النقد ذاك الذي سطره محاضرنا الأكاديمي عبدالله الرشيد في الثقافية عدد (198)؟! فقد بحثت عن متوافقات القول، فعدت بمفارقات العجب، فلم يعد النقد يعرف مثل ذلك النقد السطحي الذي سكبت سذاجته تحت خيمة النابغة الذبياني، ولم يبقَ من الحق القويم في النقد الموضوعي في مقال محاضرنا إلا اسمه، وشيء من وميض مفهوم النقد للنقد.
لم يلبث كثيرًا محاضرنا حتى أخرج لنا قاعدة مفادها ذم الشعر الملقى على المنابر, وحصره على الشعر المقروء فحسب، وإني لأسأل: أكان الشعر لا يتذوق إلا حين يكون في قرطاس؟
فما بال الشعراء يدعون لإقامة الأماسي الشعرية في كل قطر وركن؟ لقد حكم على المتذوقين بأنهم يتذوقونه بصمت على حد قوله، فكأنه استشرف المتذوقة وجاس في عقولهم، فأخرج لنا هذا الحكم المغلوط.
إنني لأعجب من محاضر أكاديمي يقر ويداهن من عبث بالشكل الكتابي حين يرسم حروفه كمثل
(تجيئين يااااا عذبة كاللغة)، وهو ما فعله صاحب (بياض)، حيث جاء بما ينفر منه المتذوق سليم الفطرة، فبدلاً من أن يعذله؛ وجدته يقره على خطئه، ويسم فعله بقوله: (وهذا ما يدعو للحفاوة به).
فلست أدري أين يكون محل تلك الحفاوة عند النقاد من قول محاضرنا؟ لقد عبث بقوله، وكنت أتعجب كأشد ما يكون العجب! ليس من الحق في شيء أن يكون لتلك (الخربشات) دلالة شعورية، وحالة نفسية، وانفعالات داخلية...إلخ؛ لأن هذا يعد ضعفًا من جانبين: عدم مقدرة الشاعر في أن يوصل فكرته ومعناه الذي ابتغاه كما فعل أسلافه، والجانب الآخر يكمن في أن الشاعر قد استشف ضعف حاسة الذوق لدن القارئ، فهو لا يفهم إلا بتلك الخربشات، وما أظن أن هذه منزلة القارئ عند الشاعر المجيد.
كنا نلوم الناشئة ونعاتبهم بالتي هي أحسن حين نجد مرذولاً من النقد، فما الحيلة حين يكون النقد المغلوط صادرًا عمن تجاوز مرحلة الناشئة بمراحل عمرية؟
إنها لجريمة، وعزاؤنا أنه قلما يجود بها الدهر لحسن الحظ.
أحمد بن عبدالعزيز المهوس
ماجستير في الأدب العربي الحديث
khlid71@hotmail.com