مع المتغيرات الجديدة في العديد من المؤسسات الثقافية في المنطقة بدأ دور اللجان النسائية يظهر بفاعلية غير مسبوقة قياساً على ظروف (المرحلة) وحلول توجهات جديدة أكثر تسامحاً وفسحاً للمجال أمام المجال النسائي المبدع الذي كان مغيباً لعوامل عدة لا تخفى على الكثيرين، وعلى الرغم من أن إنشاء هذه اللجان النسائية أو إقرارها أو منحها الفرصة جاء خلال فترات متفاوتة وغير متباعدة إلا أن بعض هذه اللجان كانت موجودة ولكن بصور مهمشة بشكل كبير خلف خطاب ذكوري تهادنت معه وزارة الثقافة والإعلام في سياستها الأخيرة والمشجعة بدرجة كبيرة نحو تجسيد كبير لحقوق المرأة خصوصاً في الجانب الثقافي.
المرأة الجازانية المثقفة وجدت خلال فترة المشهد الثقافي الممتد خلال عقد سابق من الشهور حتى الآن مجالاً كبيراً لتأكيد حضورها الذي كان يخشى عليه من أنه لن يكون بضخامة وحجم المطالبات بحضورها وتقديم المأمول منها لأسباب رأى البعض أنها خضعت لحداثة التجربة وعدم إعطاء الوقت الكافي للوصول للنضج المعقول والمتناسب.
والحقيقة أن اللجان النسائية قد قدمت حضوراً طيباً؛ ففي أدبي جازان تضمن النشاط العام للنادي فعاليات مختلفة ومتعددة للجنة النسائية، منها ما هو نسائي خالص ومنها ما كان مشاركة في فعالية مع شقيقها الرجل، وهذه الفعاليات التي تختلف بحكم المجال عنها في جمعية الثقافة والفنون أو في الأندية الاجتماعية إلا أنها كلها شكلت حضوراً ثقافياً تباينت المواقف فيه ولم تخرج عن الطبيعي في مجملها، وقد يكون من الصعب إعداد تقييم للفترة السابقة إلا أنه من الممكن جداً الوقوف عن كثب.
تعليقاً على ذلك يقول الأستاذ الشاعر ونائب أدبي جازان أحمد الحربي:
المرأة شقيقة الرجل، وهي الركيزة الأساسية في بناء الأجيال، وعلى الرغم من حداثة التجربة النسائية في جازان، إلا أن اللجنة النسائية بنادي جازان الأدبي والتي شكلت في مطلع جمادى الآخرة من العام الماضي قد نجحت في تكريس حضور المرأة كشريك مهم ورئيس في المشهد الثقافي، وأصبح الصوت النسائي حاضراً ومسموعاً في جميع فعاليات وأنشطة النادي الأدبي بعد صمت وغياب تجاوز الثلاثين عاماً.. ونطمع في المزيد من النشاطات النوعية، والتواصل الأدبي والتفاعل الثقافي وإثراء تجربة المرأة الإبداعية في قادم الأيام.
في حين تؤكد القاصة وعضوة اللجنة النسائية بأدبي جازان الأستاذة أميمة البدري أن اللجان النسائية بالمنطقة حديثة النشأة -قليلة التجربة- قليلة الخبرة والاحتكاك، تحتاج إلى التشجيع من كل الأطراف وبخاصة تشجيع صنوها (الرجل)، تحتاج إلى معرفة التجارب السابقة للجان المماثلة في المناطق الأخرى، ولهذه اللجان دور وعبء كبير جداً في التأثير الإيجابي أو السلبي على ثقافة المرأة بالمنطقة، وعليها الدور الأكبر في تحريك الراكد والمخبوء لدى المرأة في جازان، وعليها اكتشاف المواهب وصقل الخبرات، وصقل التجربة بالاحتكاك والمعايشة.
أما الأستاذة فاطمة عطيف عضوة اللجنة النسائية بجمعية الثقافة والفنون فترى (أن اللجان النسائية تواجه تحديات بسبب حداثة التجربة ويجب أن تتجاوزوها وهذا لن يحدث إلا بوعي المرأة ووجود خطاب ذكوري معتدل يدرك تماماً حجم المستقبل الثقافي للمنطقة ويؤمن بدور المرأة كعنصر مهم وفاعل في الأندية الأدبية والجهات الثقافية عموماً.
وقد يخالفهم الرأي مع بعض التشاؤم الدكتور علي الرباعي الذي يرى أن اللجان النسائية لن تكون فاعلة حتى تتشكل لجنة نسائية في داخل وزارة الثقافة وتتولى إحدى السيدات منصب وكيل وزارة الثقافة للشؤون الثقافية النسوية وحينها سترى استقلالية وعمل، أما التبعية للرجل فباهتة!!
القاص وعضو لجنة السرد بأدبي جازان الأستاذ عثمان حملي يؤكد على تهميش المرأة ردحاً من الزمن بما كان له تأثير واضح على تجربتها الأدبية والثقافية سواء من خلال بيئة محصورة أو قنوات تواصل ضيقة لم تعطها - نفسها- الإحساس بالثقة لدى الغير والآخر لسماع ما لديها.
وحتى عندما تم تشكيل اللجنة نسائية بالنادي الأدبي بجازان لم توضع لها الآلية المناسبة.. وحسب علمي أنها حتى لم تجتمع مع مجلس الإدارة حتى يتبين ما لها وما عليها.. وعلى الرغم من أنها بحاجة لمزيد من الوقت والصبر عليها لتقدم لنا الحضور المنشود، إلا أن المرأة المثقفة عليها هي أن تقود المرحلة الخاصة وبتشكيل ووجهات تنطلق منها وليس إملاء من أي جهة كانت سواء الجمهور أو الإعلام بأشكاله العديدة، وشخصياً أرى أن المراكز الثقافية في حال تفعيلها وأخذها وضعها المأمول ودعمت بشكل جيد فسوف تخدم المرأة المثقفة أكثر، وقد يخفف ذلك من تبعات كثيرة تصطدم فيها مع تقاليد وعادات اجتماعية قاهرة، وأتمنى بالفعل أن يتم تجهيز المكان المريح للجنة النسائية حتى تقوم بعملها على الوجه المطلوب وتقدم لنا الإنتاج الثقافي المتوقع منها كرسالة منتظرة لبنات جيلها.
في نفس السياق يرى الشاعر موسى عقيل أن اللجان النسائية كبداية تحتاج لكثير من الدعم والتشجيع وليس الضغط النفسي ووضعهم تحت المجهر وتتبع الهفوات فهم بحاجة أكثر للطمأنينة لأداء أعمالهم. ومن المؤسف -والحديث لعقيل- أن المجتمع لم يتقبل بعد غير الخطاب الذكوري دون أن يدرك أن التغيرات الاجتماعية لا تتم فجأة ودون وعي أو إدراك لأثرها في المجتمع وأنه لابد أن تعرف حدود التغيير حيث يجب ألا تتعارض مع الدين وأما العرف الاجتماعي فليس قاعدة صحيحة دائماً.
ويؤيده إلى حد ما الشاعر حسين صديق الحكمي الذي يرى أن المرأة في المجتمع هي بعض جسمه الذي لا يمكن تجاهله، وأن ذلك من البديهي عند العقلاء، وأنه عندما يأتي الحديث عن مشاركة المرأة فهي مشاركات متفوقة ولكن يجب أن ندرك أنه يجب مراعاة ما يلائم المرأة في بيئاتنا وأن تتاح لها فرصة المشاركة في اللجان النسائية بآليات مهذبة لا تؤدي إلى نفور المجتمع مستقبلاً من هذا الطابع خصوصاً أن القفز فوق المراحل قد يعيق المشاركة النسائية وبالذات في بيئات لها مكوناته وظروفها الخاصة وليس من العقل في كل الأحوال قياسها على بيئات أخرى، ونحن نتمنى صادقين أن يكون الهم الذي تحمله المرأة هو تيسير مشاركتها في مجال الأدب والأخذ بيدها نحو ذلك في توسط واعتدال.
من ناحية أخرى يرى القاص والروائي سمير الفيل أن قضية التعامل مع المرأة تبقى مسألة إشكالية تخضع للظرف الاجتماعي، وربما كانت هناك محاولات لتطوير الفعل الثقافي بناء على فهم واع بقضايا الكاتبات ودورهن في تحقيق فعل ثقافي يصب في تيار التحديث، والأطر المتنوعة لتجديد النص مع مساحة لحرية الحركة.. للأندية الاجتماعية والجمعيات الأهلية دور لا يستهان به لنقل العناصر الأدبية لأكبر عدد من المتلقيات وتبقى هناك مسألة تفعيل المؤسسات الرسمية لحركتها الأدبية المعاصرة.
لقد شهدت نماذج مضيئة في تجربة (الأيام السعودية) بالعاصمة المصرية، كانت الكاتبات يلقين نصوصهن القصصية والشعرية جنباً إلى جنب مع الكتاب في ظل مناخ وافر من الاحترام المتبادل، وهو ما نأمل أن يتحقق في وقت قريب فنجاح النموذج خارج المملكة أدعى لنجاحه داخلها، وهناك قضية محورية يتضمنها سؤال محدد: هل المرأة - الكاتبة مهيأة بالفعل للقيام بهذا الدور الطليعي ولنقل الخبرة الفنية لبنات جنسها؟.. أغلب الظن أن المناخ يحتاج إلى نظرة رضا من المجتمع ذاته أكثر من وضع لوائح أو سن قوانين محددة؛ فالعرف الاجتماعي بلا شك يفرض خطابه.
هذه الرؤية قد لا تتفق مع وجود عوائق من الداخل كما يراها الإعلامي والقاص شاكر أبوطالب حيث يرى أن المرأة ما زالت تعاني كثيراً في المجتمع السعودي، وإن خطت خطوات واسعة نحو الأمام.. وجودها مرهون بمدى إيمانها بذاتها.. لأنها إذا لم تكن مؤمنة بنفسها لن يستطيع جميع الذكور في الأرض تحريكها قيد أنملة، أما بالنسبة للجان النسائية العاملة حالياً في جازان، فما زالت دون المستوى المطلوب في الاستقلالية والتمثيل والإنتاج، والسبب أنها تعاني من رهاب اجتماعي يمارس عليها منذ الولادة، وأي تقدم في مسار حياتها ووجودها مرتبط بمدى كسر هذا الرهاب.
وقد يبدو الشاعر الأستاذ أحمد السيد عطيف أكثر تفاؤلاً عندما يرى أن اللجنة النسائية في جمعية الثقافة والفنون أكثر ديناميكية، لكن الجمعية نفسها تحتاج لدعم مالي حكومي، أما اللجنة النسائية في النادي الأدبي بجازان فهي جديدة، وتكونت بناء على توجيهات الوزارة، لكن تشكيلها تم على عجل دون أن يكون لديها رؤية عن طبيعة المرحلة ثقافياً واجتماعياً ووطنياً، وما زالت تجربتها جديدة، ولمساتها على الأنشطة ما زالت ذات طابع رجالي؛ إذ لا يكفي أن تقرأ شاعرة أو تسرد قاصة، هناك قضايا نسائية تنتظر اللجنة، الدور الثقافي المطلوب منها ليس هو القصة والشعر فقط.
فيما يقول الدكتور والكاتب حمود أبوطالب: اللجان النسائية ملمح مبهج للمرحلة الحالية، ولا شك أن وجود المرأة في المشهد الثقافي ضرورة ملحة لاسيما وهي قادرة على إثرائه، فقط نأمل ألا نفسد هذا التواجد الجميل بالضغط عليه للقفز فوق ما هو ممكن حسب اشتراطات المرحلة.
وأخيراً تجد اللجان النسائية نفسها في مواجهة المطالبات الكثيرة بالحضور المثالي في ضوء إمكانيات بسيطة وآليات عمل هشة لا تخدم العمل الثقافي في مجمله وسط صبغة عمل رجالية فرضت في طريق النشاط الثقافي النسائي كخيار وحيد لابد منه في طريق الوصول للحضور المنشود.