لا مكان للسير هنا.. لا مكان للوقوف، بل لا مكان للأقدام أبدا!!
هذه الرتابة التي لا يخترقها إلا أطياف برقية سريعة نحتفي بها نؤججها عل اشتعالها ينطق ببعض الدفئ..!!
أجل أنا أحتفي بكل تاريخ أبيض أو أسود.. أحتفي لأحتفي، أحتفي لبكاء أمني نفسي به وأراوده فيأباني.. أخلع أمامه كل تضاريس الفرح وأظهر له كل مفاتن تاريخي.. أو كل خيبات تاريخي!!
يوم أن رحلوا.. لم أكن بعد.. لم أكن.. كان هذا من زمن طويل.. طويل، زمن رمادي توشحه أمل العودة أو الحرب المهم أنه زمن رمادي، أما زمننا الأسود يأبى أن يتوشح شيئاً أو أن يندثر ببعض خرافة!!
هل كان وجودي ذنباً للعابثين أو ذنباً ل... لا أعلم، المأساة أنني وجدت وانتهى الأمر، بأطراف أربعة.. أتغذى بطريقة طبيعية.. يمكنني أن أخلع ثيابي بنفسي، يمكنني أن أضرب، أتغنج، أرقص، ولا يمكنني أن أتكلم!!
بعد أن رحلوا.. ضمنا الخوف أو ربما الرغيف، ذلك الذي لا زلت أحمل هم خلقه من تقبيل الأيدي وحتى ولادة الصفعات.
أسير.. أنا لا أسير.. لا مكان للأقدام هنا.. لا مكان
أين؟! أجل الطيف، برق بسرعة، كنت أحب الأقلام الخشبية الملونة، لكنهم أمسكوها وأظلموا طيفي.. ولم أحتفل!! وحين قلت كلا خرجنا.. كلا.. أخرجونا!!
واكتشفت حينها أن علي أن أجر فستاني وأرحل، وأن الجميع يقفون على ذيله، بل كان فستاني قصيراً حينها لكن أقدامي كانت فروعا تضرب بعمق الصحراء.. هناك.. تحت العمائر والفنادق والمساكن والليالي الصامتة بصخب الأرامل! وكان علي أن أسحب جذوري دون أن تهتز العمائر أو كان علي أن أقص أقدامي؟!
- أوووه أحلام لو أننا لم نعشق هذه الدواهي؟!
- لو أننا لم نعشق يا صديقي...
لو تفتح عمل الشيطان... كذلك أنا أحياناً.. والأحلام أحيانا أخرى..
وأنا أحلام دائماً فهل أفتح مركزاً للشيطان؟
الشيطان.. ماكياجه الصاخب لا يمكنني من تميزه دائماً.. جدتي كانت تقول إن لونه أزرق وأنا لم أر شيطاناً أزرق ولا أخضر ولا أصفر فاقع!!
ورحلنا مرتين.. وحين لم يجمعنا الرغيف فرقنا الكلام.
رحلنا لا لحرب وأمن ولا لرغيف وبيت ولا لإسرائيل!! ورحلنا لأن الصحراء ضاقت بأقدامي، بمقاس ثمانية وثلاثين!!
- لو أننا لم نعشق.. يا صديقي لو أننا لم نكتب!!
نلعق طول الطريق.. وتحشرج السؤال في صدري وفاض، وهذا البكاء اللعين لا يزورني ولا يواسيني، يتركني في شهوة له، يتعلق ولا يهبط ، ينجب مرارة في حلقي ويقسم بروح الشقاء..
وأيقظتهم صغارا، لم يتموا نومهم، لم يكملوا حلمهم، صغار.. صغار، رحلنا في ليل بهيم وجعا وقهراً، نجتر السؤال إلى أين ولم تسقط الحدود؟
أنازع.. أنازع.. وأنا لا أموت، أستكين تارة في النفوس وأعود أنازع ولا أموت!!
أسحب روحي.. وأقسم أنني أحبيت
عيون إخوتي صغار، اعتادوا أن يروا الطباشير.. الكتب.. الأوراق وحتى الوجوه العابسة! لكنهم ما اعتادوا الحدود!!
وأقسم أنك وطني.. وتقسم أني لدود، وأنا أحلام.. بلا شياطين وبلا جواز، ولا هوية ولا أرض وبلا أقدام..!!
نصل.. ونخبرهم أننا بلجوئنا الثاني نفر من سور الكلام لبحبوحة القول، وتغلق الحدود.. عيون إخوتي صغار.. ترى فقط أشياءهم الصغيرة، أين أرحل بهم وهم لم يكملوا السبات؟! أرحل؟! ولم تفتح الحدود! ولا مكان يتسع لأقدامنا لا مكان..
أسير.. أنا لا أسير.. لا مكان للأقدام هنا لا مكان..
3.11 صباحاً - الأربعاء 29-11-2006م