في أمسية متميزة من أمسيات النادي الأدبي الثقافي بجدة وبتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بجدة ومع بداية عطلة نهاية الأسبوع في الخامس من محرم 1428هـ قدمت فرقة المسرح بالجمعية عرضاً لمسرحية (ربما يأتي الربيع) بعد توجيه دعوات خاصة وعامة من قبل النادي والجمعية.
ولعل أهم ما ميّز تلك الأمسية هو الاهتمام بالحضور النسائي من حيث تجهيز مسرح النادي بتقنية عالية تضمن للحاضرات متابعة العرض ومن ثم تقديم المداخلات.
ولم يقتصر الأمر على النادي فحسب بل إن الجمعية حرصت على توجيه الدعوة ليس فقط للمهتمين بل وللمهتمات بالمسرح كذلك.
وكواحدة من المهتمات والمشتغلات بشأن المسرح المحلي والعالمي فقد أسعدني ذلك الاهتمام كما أسعدني حضور ومتابعة أول عرض مسرحي داخل البلاد بعد أن كانت الصحف تطالعنا بأخبار الفرق المسرحية المختلفة ومشاركتها العديدة في مهرجانات العالم العربي شرقاً وغرباً.
كانت (ربما يأتي الربيع)، كما ذكر المخرج خلدون كريم والمتخصص في النقد المسرحي، عرضا مستوحى في نهجه من مسرحية (الممثل) لأنتون تشيكوف، وفي موضوعه من مسرحية (وماذا بعد؟) للكاتب الإماراتي دكتور حبيب غلوم العطار.
كما اتخذت المسرحية منحى تجريبياً حيث استبدلت خشبة المسرح بالمكان المسرحي الذي نادى به سعد الله ونوس (يرحمه الله) فاختيرت مكتبة مبنى النادي مكاناً للعرض وشكلت خلفية مناسبة لحال المبدع أياً كان كاتباً، شاعراً، رساماً، ممثلاً أو موسيقياً.
وكحال المسرح التجريبي دائماً فإن المؤثرات الصوتية والضوئية تلعب دوراً كبيراً في العرض المسرحي لتعطي تصويراً حياً لما يدور في نفس المبدع وما يواجههه من إخفاقات للتعايش مع مجتمع يسلبه قيمه ورؤاه وإنتاجاته ويحرمه حقوقه في الملكية الفكرية.
تقدم (ربما يأتي الربيع) ثلاث شخصيات فقط أهمها شخصية المبدع والذي حرم اسماً أو كنية، وشخصية أخرى تمثل المجتمع الخارجي وثالثة هي شخصية الخادم بدلاً عن شخصية الزوجة الرفيق في النص الأصلي تماشياً مع الظروف المحلية.
استمر العرض لمدة أربعين دقيقة شكّل فيه التعبير الجسدي للشخصية الرئيسية والموسيقى المصاحبة راكزين أساسيين لكشف ما يدور في داخل المبدع من نزعات..
هي أحياناً مقاومة تتفاوت بين تردد وتعسف وانعزال وفي أحيان أخرى مواجهة مع ذات منهزمة ومتشائمة بعد انكسارات في محاولات للتعايش مع واقع لا تملك حياله التغيير.
إنما هي حالة الاغتراب التي يحسها المبدع وسط مجتمعه، والتركيز على تغريب الشخصية هو ما ذهب إليه (برتولت بريخت) حتى يتسنى لجمهور المتفرجين إحداث التغيير المنشود بمثابة حدوث المستحيل وهذا ما انعكس في ما يتضمنه عنوان العرض من إمكانية إتيان الربيع.
وتماشياً مع ما هو متبع في العروض المسرحية فقد أصدرت جمعية الثقافة والفنون بجدة مطبوعة كتب عليها عنوان المسرحية ومصدر الاقتباس ومؤلف ذلك المصدر مع أسماء الممثلين ومعد العرض ومخرجه إضافة إلى كلمة للمخرج يقول فيها: (منذ زمان وهو يمشي.. منذ زمان وهو يتلفت مراقباً كل شيء.. وعند مساء ما عندما أتعبه البحث.. واستسلم ليأسه.. سقطت على جبينه لحظة سعادة واحدة.. أمسكها فرحاً.. زرعها في قلبه.. عاشها.. ومات..).
كان لزاماً لرؤية المخرج هذه أن يرافقها نبذة عن المخرج وسيرته الذاتية وأعماله المسرحية السابقة حتى يتمكن الحضور من تشكيل خلفية مسبقة عن العرض وما يروم إليه، بدلاً من تشتيت المتفرج بكلمة أخرى لفريق العمل، تضمنتها المطبوعة ذاتها، تقول: (لابد للصمت من خروج عن النص كي لا تقع الكلمات في بئر كان.
وتنبع أهمية تلك المطبوعات من اعتبارها مصدراً موثقاً لمعلومات عن تاريخ العرض والمكان المسرحي والاتجاه المسرحي لذلك العرض بعينه والممثلين وسيرهم الذاتية وتاريخهم الفني والمسرحي والمدارس الأدبية اللاتي ينتمون إليها.
ما ننتظره -كمهتمين ومهتمات بالمسرح- الآن من فريق العمل المسرحي بالجمعية، وقد أثبت جديته في العمل وإتقانه للأداء التجريبي هو أمران، أحدهما التركيز على الناحية النظرية حتى نتمكن من التأريخ للمسرح السعودي ومن ثم الاشتراك في المهرجانات الدولية وما تعده من محاور وندوات أمثال ما قدمه المهرجان الدولي الأخير للمسرح التجريبي في القاهرة وما تناولته من (أدبيات التجريب في الكتابة المسرحية ووثائقه) أو (أدبيات التأسيس للتجريب).
أما الأمر الثاني هو الالتفات إلى النصوص المسرحية للكتاب المحليين ومحاولة البحث في تراث مختلف مناطق المملكة على ما يمكن تطويعه للتجريب كأحد فنون المسرح المحلي ومن ثم الانطلاق إلى رؤى مسرحية أخرى أرحب وأوسع.