أتيحت لي بحكم موقعي الوظيفي والثقافي فرص جيدة لحضور مناسبات ثقافية عديدة داخل المملكة وخارجها، ولا شك أنه كان لتلك المناسبات فعاليات ونتائج طيبة تتمثل في محاضرات وندوات كان يلقيها ويشترك فيها مشاهير الأدباء والنقاد والمفكرين، وغالباً ما كانت تلك الندوات والمحاضرات عن الثقافة في بلادي وعن الشباب واهتماماتهم الثقافية.
ولما كنت حريصاً على الحضور الدائم والمتابعة فقد تجمع لدي كم لا بأس به من المعلومات والملاحظات والانطباعات سوف أقدم منها للقارئ ما يمكن أن يسمى رؤوس أقلام عن هذا الموضوع الحيوي الذي سيظل هاجس المشتغلين بالكلمة الآن وغداً وإلى ما لا نهاية.
ولضيق المجال حاولت أن أضغط ما أكتبه وتجاوزت عن الأمثلة والشواهد والمراجع، وكذلك أغفلت الآراء ووجهات النظر المتوافقة والمتناقضة وكدت أنسى ما سجلته ضمن تلك النقاط والملاحظات ثم عدت إليها.
وقد نخرج من هذا بحقيقة مؤداها أن الثقافة شيء نسبي، وهي بنت عصرها، وبذلك يمكن أن نحور تعريف الثقافة بأنها معرفة الإنسان لما هو مستطاع معرفته في عصر ما، حسب قدرة ذلك الإنسان وبيئته والإمكانات المتاحة لديه، ومع ذلك يبقى هذا التعريف قاصراً لكنه أكثر مرونة على الأقل من الأخذ من كل فن بطرف دون تحديد لحجم هذا الطرف.
سقراط أحد فلاسفة الإغريق وابن خلدون هو أول من وضع أصول علم الاجتماع، هاتان معلومتان صغيرتان كل واحدة منهما تعتبر هباءة صغيرة من علمي التاريخ والاجتماع، فهل كل شخص يعرف هاتين المعلومتين الضئيلتين من بحر العلوم التاريخية والاجتماعية يصبح ذا ثقافة تاريخية، أو اجتماعية؟
إذن فكلمة طرف عائمة وكلمة كل تعميمية تأخذ صفة المستحيل إذا إن الإنسان الذي يستطيع أن يعرف طرفاً من كل فن بإطلاق في عصره وفي العصور الماضية والمقبلة لا وجود له أبداً.
وإذا كانت الثقافة بمفهومها العام هي المعرفة الجزئية بالأمور والأشياء كافة قديماً وحديثاً انطلاقاً من كلمة (كل) المشترطة في التعريف الشهير للثقافة فإننا إزاء مسألة أخرى عويصة ومحيرة وهي الممايزة بين الجانبين النظري والتطبيقي للثقافة الخاصة بالفن الواحد في العصر نفسه.
مثلاً شخصان أحدهما خبير في وضع برامج الكمبيوتر يكتب ويرسم ويخطط والآخر يعرف مثلما يعرف الأول تماماً مضافاً إليه خبرة وكفاءة في تشغيل وتفكيك وتركيب وإصلاح جهاز الكمبيوتر فأيهما المثقف في مجال الكمبيوتر؟ وهل نستطيع القول إن الأول نصف مثقف والآخر مثقف كامل في المجال نفسه؟!
إذا كنا قد وجدنا هذا الاختلاف الكبير في الكفاءة بين شخصين في العمل والاختصاص نفسيهما فإن الأمر سيكون أكثر صعوبة عندما نضع ثقافتيهما على المحك في كل علم وفن من العلوم والفنون الإنسانية منذ بدء الخليقة حتى الآن!.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244