إعداد - محمد المنيف:
لم تكن معرفتي بالفنان حسن الشريف جديدة في جانب أعماله وتاريخه ومسيرته، فقد حفر اسمه في تاريخ الفن العربي عامة انطلاقاً من مسقط رأسه الإمارات المتحدة وتحديداً في إمارة دبي، وصولاً إلى الكثير من المعارض والمسابقات والمتاحف العالمية، جعل كل متابع وباحث في الفنون البصرية يحرص على أن يساير مسيرة هذا الفنان، ويحاول رصدها قدر المستطاع.
تقول بعض الملامح المختصرة جداً عن سيرة الفنان حسن الشريف الذاتية والطويلة والمسطرة بأحرف قوامها الجهد والإصرار إنه ولد عام 1951م يعمل ويُقيم في دبي تخرج من كلية بِيام شوو للفنون الجميلة في لندن، وبدأ مشواره تجاه المجتمع والجمهور من خلال ممارسته رسم الكاريكاتير في الصحف والمجلات في السبعينيات الميلادية.. إلا أن الفنان حسن الشريف لم يتوقف أو يحتكر نفسه في مجال واحد بقدر ما كان يحمل طموحاً ويعيش حالة من البحث لتحقيق فكرة التعامل مع الفنون المعاصرة بكل جرأتها في مجتمع ما زال يتلمس فهم الفن الواقعي، عُرضت أعماله دولياً في كوبا وهولندا ومصر وألمانيا.
من مبادراته خدمة للفن التشكيلي في الإمارات تأسيسه جمعية الإمارات للفنون الجميلة وورشة الفن التشكيلي في مسرح الشباب للفنون بدبي.. عضو في مجموعة “البيت الطائر” بالإمارات وتُعرض باقة من أعماله في المجموعة الدائمة بالمتحف العربي للفن الحديث بالدوحة ومتاحف أخرى في الشارقة وهولندا. هذا وقد نشر الفنان أربعة كتب وهي: “الفن الجديد”، “آلات حادة لصنع الفن”، “مفهوم الفن”.
رمز ورائد أسلوب
يُعد الفنان حسن الشريف من الرواد الفاعلين في جانب ريادة البدايات وريادة التوجه أو الأسلوب والخصوصية، فهو أول فنان معاصر يقدم أعمالاً لم تلق الاهتمام أو القناعة في بداية تعامله بها في الساحة الإماراتية، لكن بُعد نظره واستباقه للواقع البسيط ما زال يتلمس سبل التطوير نحو واقعه الحالي الذي تغيرت فيه الكثير من المفاهيم وتطورت فيه كل مظاهر الحياة وارتقت بها ذائقة الكثير من أفراد المجتمع مع ما حظيت به الإمارات متمثّلة في الفعاليات الكبيرة للفنون منها معرض آرت دبي الذي أحدث نقلة كبيرة في ثقافة المعارض في المجتمع الخليجي من المعارض المحدودة الفكرة ونوعية العرض إلى نشاط عالمي كبير، كان أغلب ما يُعرض فيه يُطابق ما يعمل عليه الفنان حسن الشريف، الفنون المعتمدة على التجربة الكثير منها غير متحفية ترتكز على العرض العابر أو على كيفية تشكيل العمل بخامات هي كل ما يحيط بالمشاهد، يجمعها ويختار الفكرة لمناسبة لها أو العكس ويعيد تدويرها عقلاً ووجداناً إلى أن تظهر على أرض الواقع.
وصف حسن الشريف من قِبل المجلس العالمي للفن المعاصر بالفنان المتمكن من أدواته.
لقاء مباشر وحديث التواضع
حظيت بأن أكمل إعجابي عن بُعد بهذا الفنان باللقاء به مباشرة، (وجهاً لوجه) في زيارتين متتابعتين خلال دورتين من دورات آرت دبي، حيث أخذتنا حافلة الإعلاميين المدعوين لتغطية الدورة السابعة لمعرض آرت دبي، اختيروا من كثير من دول العالم، كثير منهم مختصون في تحرير مجلات متخصصة في الفنون أو صفحات في صحف تهتم بهذه الإبداعات، كان الجميع غير عارفين إلى أي وجه هم ذاهبون، وأجزم أن البعض منهم ممن لم يتعرفوا على هذا المبدع الأكثرهم اندهاشاً بما شاهدوه، توقفت بنا الحافلة أمام بوابة لفيلا عادية في مظهرها الخارجي حيث لا تظهر أي إشارة لما بداخلها من كنوز في حي راقٍ، سار الجميع بعد دخولنا الفيلا في مساحة مزروعة بالورود والشجيرات إلى أن دلفنا الباب الداخلي للفيلا، حيث تغير الشعور العادي إلى حالة من الدهشة، منزل أقرب إلى القصر بتصميمه، ذابت كل تفاصيله المعمارية وتصاميمه الداخلية في عالم من الأعمال الفنية، التي اشتهر بها الفنان حسن الشريف، أعادت للكثير من الحضور خصوصاً من لهم اهتمامات فنية (فنانين ممارسين للفن، أو نقاداً أو باحثين)، بأن يعدلوا كفتي التعامل مع مثل هذه الأعمال فقد عاشوا لحظات من النشوة الممزوجة بالإعجاب المؤطر بالتعجب، الكثير لم تعد عيناه تحتوي كل ما أمامه ولا كيف يستفيد مما خُصص من وقت الزيارة أن يشاهد أكبر عدد من الأعمال والكثير أيضاً لم يكتف بالاطلاع على هذا الكم الكبير من الأعمال الفنية التي لا تحتاج فقط للمشاهدة بقدر ما تحتاج إلى الإجابات على التساؤلات، فالفيلا بكل غرفها في أدوارها الاثنين وبهوها الكبير قد غصّت بأعمال يقول عنها الفنان إنها تجارب.
حوار هادئ مع الحضور
كان الجميع يتنقلون بين تلك الأعمال صعودًا وهبوطًا في سلالم الفيلا والدخول في كلِّ غرفها التي تحوَّلت إلى معارض متفرِّقة في نوعية ما عرض بها وجمعت في مكان واحد، كان لِكُلِّ غرفة خصوصية عودًا إلى ما عرض بها، منها ما يكشف البدايات وأخرى استكمالاً لغرف مماثلة، إضافة إلى ما حملته جدران الفيلا من لوحات زيتية واكرلك أبدع فيها حسن الشريف بخصويته أيضًا في طرح الفكرة دون تكلف. في وقت يجد فيه البعْض فرصة للحوار مع الفنان الذي يتنقل بين الزوار الذين يبلغ عددهم أكثر من ستين إعلاميًّا من بينهم نخبة (من الفنانين الإعلاميين) كان الفنان حسن الشريف متواضعًا صادقًا في إجابته لا يتكلف الكلمة ولا يعطي لنفسه حقها، قال: إن ما يقوم به لا يتجاوز التجارب ولا يستطيع الحكم بأنّها متميزة أو غير ذلك، فالأمر يتعلّق بالجمهور والنقاد، وأضاف أنّه المتعة التي يعيشها خلال تنفيذه لتلك الأعمال أكبر وأعظم مما يمكن أن يقال عنها من إشادات.
يقول: إنه يستخدم تلك الخامات المتنوّعة كالأقمشة والمعادن والأسلاك والبلاستيك لعلاقتها بالإِنسان، يشعر أنّه يحاورها ويقنعها وأحيانًا يغضب منها أو هي لا تطاوعه..
ختامها مسك
- نختم هذه الإطلالة والعرض الخاص بزيارتي لمتحف أعمال الفنان حسن الشريف بالإشارة إلى أنَّه قد فاز بأهم جائزة من نوعها على مستوى العالم في مجال الفنّ المعاصر عن معرض له أقيم في أبوظبي.
ومنح المجلس العالمي للفنّ المعاصر (جوائز اليس) جائزته لعام 2012 في فئة “المعارض الفردية العامَّة”.
لحسن الشريف عن معرضه “تجارب وأشياء” استعرَّضت فيه نماذج من الأعمال التي أبدعها شريف ما بين 1979 و2011. المُركبة، بالإضافة إلى رسوماته المفاهيمية وأعماله
المنهجية الأخرى. إضافة إلى أن أعماله عرضت في (بينالي البندقية) 2009. مع إصدار كتاب مفصل عن الفنان وأعماله تحت عنوان (حسن شريف، أعمال 1973 -2011)، تَمَّ الإعلان عن إصداره خلال (بينالي البندقية)، وهو عمل أكاديمي يغطي بالوصف والتحليل مختلف المحطَّات التي مرَّ بها الفنان خلال مسيرته الفنيَّة.
monif.art@msn.com