أحياناً تبدو الأشياء السطحية قادرة على تفسير الأزمات والظواهر والصور, إذ نستطيع اكتشاف الواقع الخفي من خلال اهتمامات الناس وانجذابهم لتلك السطحيات حتى وإن كانت لعباً!
وقد نجد أيضاً في مصاحبة هذه التفسيرات ما يدل على أن المجتمعات لا تهتم لشيء - يبدو ثانوياً عند البعض - إلا وكان هذا الشيء يتلامس مع معاناتها واحتياجياتها؛ فخوف الناس من نفاد الوقود في باطن الأرض يطغى - حاليا - على اهتمامهم بتأمين المياه على الدوام من خلال قراءة أثرهم على الجانبين.
ولا نستطيع بعد أن نستشف المبرر لاهتمام المجتمعات بظاهرة جديدة أو تقنية عابرة أو لغة سيكولوجية غريبة دون أن نقرأ الواقع الذي تعيشه تلك المجتمعات, سواء الأشياء السلبية التي تصاحب سلوكها المنعكس عن تمسكها بشيء تعتبره رمزاً لها, أو الأشياء الحميدة التي تُظهر نجاعتها في التعامل بإيجابية مع الأشياء الدخيلة أو الصادمة. وربما تتزامن معاناة هذه المجتمعات مع اهتمامهم بالظاهرة الجديدة أو العكس, فخوفك الكبير من الواقع يتجه بك نحو الخيال كحل أفضل, وفي المقابل عدم اتضاح رؤية المستقبل أو الواقع يدفع بالخيال إلى طرق أبوابك, كما يؤكد ذلك الروائي الأوكراني كوركوف بقوله: (إذا كان الواقع غريباً، فالخيال هو الذي يقول الحقيقة) ما يدفع ذلك المجتمعات إلى سرعان احتفائها بالشيء وإن كان خيالاً!
تتجه ديناميكية لعبة المزرعة السعيدة إلى محاولة نقل واقعك الغريب إلى صورة ذهنية خيالية, ومخاوفك إلى أمل, وتوقعاتك إلى نتيجة, من خلال فكرة الملكية الفردية التي لا تنتهي, وهي نفسها أجدها تطبيقاً لفكرة «التمحور حول التملك» التي ساقها لنا المؤلف ستيفن كوفي.
ففي المزرعة السعيدة يمكن لك أن تشتري أرضاً وتبني عليها منزلاً, وأن تحفها بشتلات خضراء تزرع فيها ما يخطر ببالك من ثمار وأشجار!
تتخيل وأنت تعيش بتلك الفيلا العامرة, لا تكاد تسمع صوتك من شدو الطيور وغناء البلابل.. تطل من شرفة منزلك فترى الثرى يبسط إليك يده, وقد امتلأ مما تحلو عيناك به, السيارة الفارهة وهي تقف إلى جوار السور المنيع, ونسناس الغروب قد مايل بشجيرات الليل, فترسل روحها إلى السماء كالمسك الأبيض.
هذا الأمل جعل هذه اللعبة تكون من التطبيقات الشهيرة عند الشعوب العربية بحسب التقارير, ومن أكثرها تداولاً, فهذه الشعوب قد أضناها الكد والنَّصَبُ, وفي ناصية رؤوسها حلم لطالما راودها عن نفسها: ذلك المكان الملائم في أوطان شاسعة, لا ضير أن تقف فيه على قدميك, وقد قبّلته قُبلة الابن, وانحنيت لتُعْمِرَهُ بسكن صغير, يضم آمالاً فتحت فمها إلى الدنيا وهي تسكن بالأجر, وربما أغلقته وهي لا تزال.
إن الأولويات يجب إعطاؤها الفرصة الأولى في تنفيذ الحلول وتحقيق الطموحات, فمشكلة الإسكان لدى دول العالم عادة ما تكون مخيفة, وبالتالي تحرص هذه الدول على حلها بالشكل السريع أو المتدرج, إيماناً منها بأن مثل هذه المشكلات إذا لم تتجه إلى حل فإنها سوف تتجه إلى أن تكون أزمة, صاعدةً بذلك درجات سلم الخطر حتى تصل - لا سمح الله - إلى كارثة, وبالتالي يتعيّن على هذه الدول الوقوف على أسباب الكارثة لفك رموز الأزمة, ومن ثم إلى آثارها من مشكلات!
كل هذه الأشياء لسنا بحاجة شديدة لها إذا عملنا بتركيز شديد على حل مشكلة الإسكان, والتي أضحت تنال من كوابيس المواطن البسيط الحظ الأوفر, حيث تكمن أهمية التملك لدى الإنسان البسيط في كونه يصبح جزءاً من عملية الاستقرار في المنطقة التي يعيشها, في حين يصبح هذا الفرد في حال عدم وجود ما يخسره - من أملاك - ورقة رابحة في يد الأزمات.
إن الحديث عن هذه الأمور لم تعد بالصورة البسيطة التي يظنها الكثير, كون مثل هذه المشكلات تصبح - عند تفاقمها - مرتبطة بملفات أمنية وسياسية واقتصادية, يكون حينها قد تعيّن على هذه الأجهزة الحكومية معالجة النتائج, وكانت الخطوة الجيدة جداً في هذا الظرف هي إعطاء وزارة الإسكان الفرصة لفك هذه المعادلة الصعبة, حيث نأمل أن تكون موفقة في طرح حلول قابلة للتنفيذ.
كاتب وأكاديمي سعودي - الرياض