«لا أعرف لماذا كل مرة ألمح فيها فتاة عربية أتذكر مي زيادة». قالتها وتبسمت تلك الابتسامة التي من الواضح أنها تترصد من خلالها رد فعل من أمامها بتأنٍ شديد. استأذنتها بإعادة عبارتها على مسامعي، رغم أني سمعتها جيداً، ولكني لم أكن متأكدة؛ فالعبارة بالإنجليزية، ولكني سمعت (مي زيادة) بنغم كوري ثقيل، جعلني أشكك في قدراتي السمعية.
أعادتها بثقة أكبر وعيناها تراقب ملامحي بتركيز شديد جعلني أتبسم وآخذ نفساً عميقاً، وأسألها لماذا مي بالذات؟ أجابتني ببساطة: لا أعرف!! ضحِكت وشاركتها الضحك رغم أني لم أعرف حتى اليوم ما المضحك حينها! فقد كنت مشغولة بماذا تخبئه تلك الملامح الكورية التي يبدو أنها تعرف الكثير، وستريحني من عناء الإجابة عن الأسئلة المعتادة عن السعودية والمرأة السعودية، تلك الأسئلة التي مللتها جداً، ومللت تكرار إجاباتي التي أصبحت أسردها تباعاً دون جهد ودون حتى تفكير.
تلك الرفيقة الكورية المغرمة بجبران أوقعها حظها السيئ بصحبتي، كانت تبحث بين ثنايا حديثي عن لحظات سينمائية في صالون أدبي، تسألني إن كنت من عشاق الرسائل الأدبية، تلح علي أن أترجم لها أغنية عربية تحتفظ بها في هاتفها، تسألني وتسألني عن قصص تحتفظ بها في مخيلتها سلفاً أو ربما في ذاكرتها من حياتها السابقة عندما كان اسمها خديجة ربما، في كل مرة أتوقع فيها سؤالاً عن قيادة المرأة والإرهاب والحجاب تفاجئني بسؤال مختلف تماماً، أجملها كان عندما أصرت على أن أخبرها عن سر الخلطة التي تُصنع منها الفلافل الشامية التي لم أصنعها في حياتي، ولكني أتقن تذوقها والاستمتاع بها جيداً.
معها لم يعد العربي - كما في السينما الأجنبية - ثرياً جاهلاً ومهووساً بالنساء ومؤخراً إرهابياً.. معها ومع تلك الشخصية المجنونة التي تحملها لم تعد الأسئلة مملة، وأصبحت الإجابات تحتاج لبحث وجهد وابتسامات. لم أكن سعيدة أن الأيام التي قضيناها سوياً ستنتهي، وأنني لن أسمع حديثها عن سوريا ومصر والجزيرة القطرية، كما أني لن أسمع قهقهاتها الصاخبة عندما تسر لي بحواراتها مع صانع الحلوى الإسكندراني في أحد شوارع بورتسموث المدينة الحالمة التي جمعتنا هنا في بريطانيا.
ستنتهي أسئلتها عندما تقلع طائرتها ذاهبة للدار البيضاء قريباً. وعدتني بأن تبعث لي بصور وحكايات من هناك، وربما (إجابات)، ويبدو أن علي أن أراجع إجاباتي عن السعودية من جديد؛ فالأسئلة المملة ستعود؛ وعليّ أن أكون مستعدة.
kimmortality@gmail.com
بريطانيا