«عندما تحدّق المجاعة في وجهك فإن عليك أن تعيد النظر في أقوالك عن الحياة « (1) جبرا

معظم الأقوال لا تكون منحدرة من قناعة عالية والعكس أصح بالنسبة لي على الأقل, فكثيراً ما أرى أن هناك أقوالا وأفعالا تتغير اتباعاً للجدوى المقلوبة, والنفعية الخام, لكن انطلاقاً من مقولة جبرا في الأعلى أتساءل عن حقيقة الموقف المطاطي, والمبدأ القابل للطرق نتيجة لظرف مفروض أو مفترض, مهما كانت حدته؟! إلى أي مسافة قد تنخفض قيمة التراجع عن موقف أو قول قد نفذ!؟ على الصفحة البيضاء بالتأكيد واعتبار أنه مبدئي قِيَمي!؟

* طويلاً ما نتحدث ونبني نقوّض حول الأُطر والخطوط المشرشرة دون تفاصيل كاملة مُحدِّدَة. قد تكون التفاصيل في أحيان غالبة من الفوائض التي يستغنى عنها, لكن في بحث علمي مثلاً, أو كتابة رواية جيدة, أو ترجمة رصينة, يفترض بالتفاصيل أن تكون سيدة اللقطة وكل ما في المشهد الخلفي يأتي إضمامة لحزمة الفكرة. فدائماً ما تصل إليّ الأفكار القادمة من خارج تفاصيلها يابسة إلى مسافة ما, أو تخبرني بأنها ناقصة أو مُعَتْمَة بطريقة أو بطرق أخرى.. النظر من خارج التفاصيل المُتممة استدارة ببطء لإكمال الدائرة المفرغة.

* التكلس على تُرَّاهة ما, والطواف بينها وبين التعنت والرفض لمجرد ممارسة فكرة الطواف (للمفهوم وفقط) يذكرني بورقة الملاحظات الحادة اللون التي أكتب عليها ملاحظات كثيرة, فأتذكر حدة اللون ولا أتذكر ما الذي كُتب عليها غالباً, مما يعني أن هذا التكلس (لون حاد) ليس له تأثير في اللوحة سوى أنه شاذ قابل للطمس أو الإذابة بلون آخر!

* نحتاج للوعي المتشكل عفوياً من كل التجارب الممتدة في الحياة كالشعيرات الدموية الشريانية, أو الخبرات المتداخلة معرفياً, الحاجة ذاتها للوعي المصنوع والمستنبت في ضوء جيد وتهوية كافية؛ لأنه يتوازى مع الأول ويقابله على السطر الأخر بمسافة ما, وما يكون بينهما هو مكان آمن للامتزاج الفعّال المنمي, دون أن تتكدس حوله النظريات, والحواجز العالية حضارياً و(مزاجياً), والزواجر, والأوامر, والكثير من الجَزَر!

* * *

(1) جبرا إبراهيم جبرا: من رواية (صيادون في شارع ضيق) ترجمة: د. محمد جابر عصفور