هل يتصور أحدنا على وجه الدقة ما كانت عليه وسائل التسلية، أو ما يفرح الناس في أزمنة مضت، أو يتصور ما يمكن أن يتسلى به الناس في عصور قادمة؟ بالطبع لا يمكن لأحد ذلك إلا على وجه التخمين، أو استبعاد ما ليس ممكناً، أو ما لا يمكن أن يكون مصدراً لتسلية طبيعية. بل حتى في العصر الواحد تختلف الأجيال فيما يمتعها، وفي ابتكار وسائل تسليتها، بل وأحياناً حتى لدى البيئات المختلفة من طبقات المجتمع، أو المهن المتعددة التي يكون لأصحابها ميول متباينة في فهم وسائل التسلية، أو الاستمتاع بدرجات بسيطة أو معقدة منها.
وفي العالم القديم كانت الوسائل بالطبع محدودة، لذا فإن خيال الناس في تصور المتعة لم يكن محلقاً، أو شديد التعقيد، كما هي الحال في العصر الحاضر. فقد اشتهرت من الوسائل العامة في التسلية خلال القرن العاشر الميلادي وما بعده ما كان يُسمى «خيال الظل»، وهي عروض مسرحية (أو تشبه المسرحيات في العصور المتأخرة)، يقوم فيها ممثلون بصنع دمى، أو أشكال خشبية، أو من أي مواد أخرى. وتتعرض تلك الأشكال بمفردها، أو بمساعدة بعض الحركات من يد الممثل، إلى الضوء من خلف قماش يحجب الرؤية المباشرة، ويمثل في الوقت نفسه ما يقوم بدور شاشة العرض حالياً. فتبدو الصورة الظلية التي يعكسها الخيال المادي للشخوص من الدمى التي تقوم بالأدوار أمام الضوء الخلفي، فيشاهدها النظارة، وكأنها خيالات تتحرك أمامهم. وهو مسرح ظلي ضارب في أعماق التاريخ يتمثل بأشكال منعكسة على تلك الستارة البيضاء المشدودة أمام ضوء ثابت خلفها. ومعظم هذه الشخوص البشرية أو الحيوانية مصنوعة من جلود الحيوانات المتوفرة في البيئة.
ويتسم خيال الظل بنوع من المرونة في الحركة، تجعله صالحاً لأن يؤدى في فناء الدار أو داخل خيمة، ولذلك كان من وسائل إحياء الاحتفالات الشعبية في المساحات المفتوحة، والمناسبات العرضية. فقد كان المخايلون (ممثلو خيال الظل) يجوبون القرى وأحياء المدن، يبحثون عن مناسبات دينية أو اجتماعية، كما يعرضون تمثيلياتهم في المقاهي والحانات والأسواق، وكانت لهم شعبية كبيرة بين العامة.
وعند بداية العروض تطفأ الأنوار، وتغلق النوافذ، وتسدل الستائر، ثم تثبت الشخوص في قضيب خشبي ملتصق بالشاشة، ويضاء من داخل المسرح مصباح زيتي، فتظهر الشخوص وتنعكس من الجهة الأخرى. ويبدأ اللاعبون تحريكها بعصيهم، وهم يؤدون حوار القصة. وتتبادل الشخوص الحوار أو المواقف، وأحياناً تصحب اللعب أنغام الموسيقى التي يوقعها المساعدون.
ويبقى المتفرجون، إما جالسين على الأرض، أو واقفين في الصفوف الخلفية. وعقب الانتهاء من عرض التمثيليات يقوم المخايلون بجمع الدراهم من المشاهدين، ثم يرتحلون إلى مكان آخر. وهي عروض تقترب من عروض الهواة التي تقام في ساحات المدن الكبرى في أوربا حالياً؛ وكذلك شبيهة بما يجري في السيرك، ولكن بشكل فردي، وبأدوات بسيطة ومتنقلة.
فهل يرضى أبناء هذا العصر بمثل هذه الدرجة البسيطة من التسلية، بعد أن عقدت التقنية درجات المتعة لدى البشر؟ حتى إن النكات التي تقوم على المفارقة البسيطة، أو العبارة الساخرة لم تعد تضحكهم، أو تلفت نظر الشباب في عصرنا الحاضر. فهل القضية تكمن في العصر ومتطلباته، أم في الدماغ البشري الذي يصبح أكثر التواء مع زيادة التعقيد في نظام الاستجابات العصبية للتواصل البشري التفاعلي، وانعكاسه على فرح الإنسان وانسجامه؟ فلو حكيت لأحدهم شيئاً قريباً من هذا المستوى في المتعة أو الإدهاش على أنها عناصر تسلية، لحدق بك كثيراً، وربما نظر إليك، وهو يود أن يقول: وش تحس به؟
الرياض