يطرح كثير من العلماء وكثير من الباحثين وعلماء النقد وتحرير مسائل الردود آراء وروايات، يزعمون أنها صحيحة، بل يجزمون بذلك كل الجزم، فحينما تقرأ نقداً أو رداً أو معالجة لمسألة علمية أو لغوية أو نحوية يجلبون من الآثار ما يخالونه صحيحاً دون شك منهم في ذلك، حتى أنني وجدت أساطين من كبار العلماء في العلم واللغة والبلاغة وأساسيات النقد والإجابات يجزمون بالصحة والقوة لما يوردونه من آثار وآراء، وهذا مثاله:
1/ قال النبي صلى الله عليه وسلم..
2/ جاء في: الحديث: كذا.. وكذا..
3/ قد ورد..
4/ قد ثبت..
5/ جزم به: فلان وفلان..
6/ جاء في الصحيح..
7/ هذا ما ذكره فلان وفلان..
8/ نص عليه (على صحته) فلان وفلان..
9/ بل هذا أصح الأقوال..
10/ هذا مذهب كافة العلماء..
11/ الحديث ضعيف (لكن معناه صحيح)..
12/ هذا ما رواه ابن قتيبة..
طالع كثيراً مما تصدره «دور النشر»، وطالع آراء ومقالات وردوداً هنا وهناك، وانظر المداخلات في المجالس العلمية، وكذا الديوانيات والنوادي الأدبية. ولعلك إن تتابع ما يقبع في بعض المجالس الخاصة فإنك في هذا كله تجد ما ألحمت إليه في الأرقام الآنفة الذكر، وهذا جزماً يوحي بانعدام هيبة النص وشبه ضحالة التلقي وضعف أسس وموازين معرفة ما للنص وما عليه، وكذا النقولات التي ترد في الكتب والفتاوى والردود والنقد..
فلعلي - وهو جهد المقل - أن أُبين بعض - لا كل - ضوابط ما يجب الوقوف عليه من لدن العلماء والباحثين والمفتين والقضاة والكتاب؛ لعل هذا يُسهم في تنشيط الهيئات والمجالس العلمية، وكذا الذين يزاولون الفتيا أو الكتابات المتتالية (كتاب المقالات والزوايا) الصحفية، بما يسهم في (حماية النص) وأمانة النقل والاستشهاد ونقل الآراء.
وأجزم بأن هذا سوف يدفع بمركز الملك عبدالله للغة العربية إلى أن يبدأ من هذه الحيثية، وليس ثمة نكير.
فأول ما أبدأ به أن «المعجم اللغوي» لمفردات النص النبوي أو ما قاله صحابي أو تابعي كبير إلى القرن الخامس هو:
1/ يكون النص سليماً قوي اللغة.
2/ يدل على حكم مُعين.
3/ أو دلالة مُعينة أمراً أو نهياً.
4/ لا يعارض أوله آخره.
5/ لا يعارض آخره أوله.
6/ لا يدعو إلى بدعة أو ضلالة.
7/ لا يعارض نصاً آخر.
8/ أن يُعرف مخرجه ومن رواه.
9/ أن يكون سليماً من الركاكة.
10/ ألا يكون النص منسوخاً.
11/ أن يعرف من نقله (معناه).
12/ ألا يرويه بالمعنى إلا لعالم جيد في اللغة.
13/ ألا يفهمه فهماً مجرداً (هكذا).
14/ أن يُحرر النَّص من (الهوى).
15/ ألا يستشهد به إلا لعالم بالنحو.
16/ ألا ينقل النص إلا من مصدر مشهور، عُرف صاحبه بعلم الآثار (صحيحها وضعيفها).
17/ شدة التأني ودقة التحري في النقل.
18/ الرجوع إلى كتب الحديث الموثوقة.
19/ ترك كتب التاريخ والسير والأخبار ما لم تكن قد تم تخريج (آثارها) من عالم دقيق، عُرف بهذا.
20/ جودة القريحة اللغوية والمسلك النحوي والبلاغي في معرفة (دلالة النص).
21/ قصد الحق بدليله.
22/ الوقوف على ما عناه (سيبويه - والكسائي) في بحث أصول اللغة، وما أراده ابن هشام وابن عقيل في أصول النحو.
وأنت ترى أن هذا فيه صعوبة بالغة - جدّ بالغة - على كثير من طلاب العلم والباحثين، فكيف بمن يكتب كيفما اتفق من كتاب الزوايا والمقالات.
لا جرم هنا يندرس العلم، وتذهب مع الريح أساسيات اللغة الموجبة لمعرفة معنى الأثر. ومع كثرة الكتب المبينة لضعف الآثار وعدم صحتها، وهي كتب مطبوعة وفي متناول اليد، تجد - ويهالك هذا - ما يورده كثير من العلماء وسواهم من الكتاب والمثقفين من الآثار الضعيفة وما لا أصل له، فتجد مثلاً:
1/ كتاب (الموضوعات) لابن الجوزي.
2/ كتاب (الموضوعات) للشوكاني.
3/ كتاب (المنار المنيف) لابن قيم الجوزية.
4/ كتاب (كشف الخفا....) لملأ القارئ.
5/ كتاب (الرفع والتكميل) للكنوي.
6/ تخريج كتاب (ابن هشام) للسهيلي.
7/ نقد كتاب (الأغاني) لوليد الأعظمي..
فهذه كتب مطبوعة، تُباع، وتجدها عبر الإنترنت، حتى تجدها دون الرجوع إليه؛ لأن أخذ العلم عن طريق الإنترنت وأخذ الآراء والفتاوى ضرر، هذا واضح جداً، وليس الخبر كالعيان.
وكنت قد نويت من قبل أن أستشهد بكثير من الوارد في المقالات والبحوث، لكن أدع هذا لحينه، أو لعلي أن أبين هذا في المعجم (جـ9/م/5).
الرياض