كنْ كالسموأل إذ طاف الهُمامُ به
في جحفلٍ كسوادِ الليلِ جرَّارِ
الأعشى الكبير
هل سمعتَ يوماً بوفاءِ يهودي؟!
فمنذ الأزل وبنو يهود قد نُعتوا بأخس الأوصاف والطباع من الخيانة والغدر حتى الجشع والطمع وليس في القرآن الكريم فحسب بل حتى عند العالم المسيحي والوثني حتى قيل أغدر من يهود !! إلا رجلاً واحداً لم يتخلق بهذه الخليقة ولم يتطبّع بها فجاء غير ما قُدرَ لهم، فلم تكن تراتيلهم وصلواتهم تصل إلى عقله أو تطرق باب قلبه ولو علم عنه شكسبير لجعله في رواية مقابلة لحال المرابي شايلوك اليهودي الجشع تاجر البندقية!
السموأل بن عُريض بن عادياء ويُدخلون عريض في عادياء ينحدر نسبه إلى الغساسنة فهو من ولد عامر بن ماء السماء من يهود تيماء، وتيماء كما ذكر الحموي أنها قرية بين الشام والحجاز من وادي القرى وبها حصنه الشهير الأبلق الفرد وقد ورثه عن جدّه عادياء وقد سُمي الأبلق لأنّ بناءه مزيج من البياض والحمرة والفرد لتفرده بالمناعة عن سائر الحصون فلا تستطيع جيوش ذلك الزمان على اقتحامه بنى لي عادياً حصناً حصيناً.
وماءً كلما شئت استقيتُ.
قال الأصفهاني (وكانت العرب تنزل به، فيضيفها وتمتار من حصنه وتقيم هناك سوقاً)
يمشي الهوينا في قصر مترامي الأطراف على فرشٍ بطائنها من إستبرق و نمارقه مصفوفة في كل ناحية من غرفٍ داخلها غرف يحيط به الجواري والغلمان جارية بصف أخرى وأخت لها بجانبها وقد تروّح بين الحدائق الغناء مكتسياً من الحلل والديباج ومتسربلاً من الحرير وقد رمى ببصره من شرفةٍ زاهية قد زُخرفتْ حوائطها فلا يرى إلا ملكاً تجري من تحته الأنهار وقد اطمأنت نفسه لمنعته وقوته فلا يخاف العدو ولا طرّاق الليل ما لم يكن ضيفاً ألجأه القِرى إليه فبالأبلق الفرد بيتي به
وبيت النضير سوى الأبلق
عربي الطبع والعرق، يهودي الهوى والدين ولكنه كان حاضراً في المشهد العربي لا في المشهد اليهودي،
وُصف بالجود والكرم على وفائه وأمانته لا يرد من أتاه مستطعماً أو مستجدياً أو مستجيراً، فلما ضاقت الأرض بامرئ القيس بما رحُبت وتقلب بين أحياء العرب مستجيراً أشاروا عليه أن لا أحد يكفيك إلا السموأل فهو مانعٌ لجاره حتى يرى ذات عينيك.
فشخص إليه ومعه أدرعه الخمسة المشهورة، الفضفاضة، الضافية، المحصنة، الخريق، أم الذيول، وكانوا يتوارثونها ملك عن ملك من بني آكل المرار
ولقد أتيت بني المصاص مفاخراً
وإلى السموأل زرتُه بالأبلقِ.
فأتيت أفضل من تحمّل حاجةً
إن جئته في غارمٍ أو مرهقِ
عرفتْ له الأقوامُ كلَّ فضيلةٍ.
وحوى المكارم سابقاً لم يسبقِ
ثمَّ إن امرأ القيس هلك دون ذلك في قصة معروفة،. فأراد الحارث بن أبي شمّر الغسانيّ ملك الغساسنة أن ينتزع ما بيد السموأل فرفض بعد أن حاصره بجيشه حتى سقط بيده أحد أبناء السموأل فساومه بالأمانة أو يقتل ابنه فكان رد السموأل: شأنك به فلست أخفر ذمتي ولا أسلم مال جاري، فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه قطعتين وانصرف فقال السموأل :
وفيتُ بأدرع الكندي إني
إذا ما ذُمَّ أقوامُ وفيتُ
وأوصى عادياً يوماً بألّا
تُهدِّم ياسموأل ما بنيتُ
وفاءٌ تجاوز عاطفة الدين والعرق فتجاوزت حكايته الزمان والمكان حتى ضُرِبَ به المثل فقيل ( أوفى من السموأل ) وجبلّة خالف بها أهل دينه وملته فكان علامة بارزة على مر العصور والحقب وشهادة على غلبة الأخلاق والفضائل إن كانت الإيديولوجية الدينية والعرقية تعارضهما
إنّ حلمي إذا تغيّب عني
فأعلمي إنني عظيماً رُزيتُ
ضيّق الصدر بالخيانةِ لا ين
قضُ فقري أمانتي ما حييتُ
الأحساء