حينما اختير د. عبدالعزيز السبيل وكلف بقيادة الثقافة في وزارة الثقافة والإعلام وهو أحد رواد الثقافة وأعلامها استبشر بتعيينه كل من عرفوه.. فهو أستاذ الجامعة وهو الأديب اللبيب، وهو عضو مجلس إدارة أكثر من نادٍ أدبي.
ولكنه تولى تلك القيادة في مرحلة صعبة.. والمرحلة كما تذكر المعاجم: المسافة يقطعها السائر في نحو يوم أو ما بين المنزلتين. وما نشير إليه هو بدء تجميع إدارات الثقافة من مؤسسات كانت ترعاها.
فقد نقلت الأندية الأدبية من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ونقلت المكتبات العامة من وزارة التربية والتعليم، ونقلت المجلة العربية من وزارة التعليم العالي.
كما نقل تنظيم معارض الكتب من الجامعات (وهي محاضن ومنابع الكتب) إلى وزارة الثقافة والإعلام. وهكذا تم تجميع إدارات كانت تحظى باهتمام وزارات إلى وكالة وزارة واحدة!!
وأمام ذلك الكم الكبير جداً بذل الوكيل ما استطاع من جهد ووقت وتفكير ليعطي برامج ومناشط وأعمال إدارات كثيرة، فاستطاع بذكائه ولباقته وجميل تعامله وخلقه أن يكسب ود الجميع وأن يحقق نجاحات كبيرة في زمن يسير.
ولكن تلك الأعمال والمناشط والبرامج كانت سيولاً عارمة تشبه ما حصل في محافظة جدة في الثامن من ذي الحجة الماضي.
فقد (نامت) بعض المكتبات نومة هنيئة وصلت عند بعضها إلى أكثر من ثلاث سنوات، إذ بقي من موظفيها الثمانية - في عهد وزارة التربية - موظف واحد فقط يعمل بمفرده ثلاث سنوات دون أن تُعيِّن الوزارة أي موظف، وبعد الثلاث سنوات أرسل إلى ذلك الواحد موظفان اثنان فقط.
وهبّت على الأندية الأدبية رياح عاتية فحصل فيها (تعيين) لمجالس إداراتها لم يكن محل وموافقة الجمعيات العمومية - إن وجدت - فاستقال بعض أعضاء مجالس الإدارات وأقبل بعضهم، وتوالت الانتقادات على الأندية الأدبية حتى علت أصوات تنادي بإلغائها!!!
وليس حال إدارات أخرى ثقافية بأحسن حالاً مما ذكر..
وكان عطاء الوكالة في السنوات الأربع الماضية كثيراً وحقق نجاحاً ملموساً ملحوظاً في برامج كثيرة، منها: المعرض الدولي للكتاب، ومؤتمر الأدباء السعوديين وغيرها.
وحينما اختار أبو حسان أن يترجل عن حصانه، ويطلب التقاعد المبكر تجددت الآمال والآلام وبدأت التوقعات والافتراضات: من هو البديل؟ وما الجديد في الوكالة؟ وهل سيصبح للأندية الأدبية إدارة مستقلة ولوائح ثابتة؟ وهل سيتم اختيار الأكفاء خبرة وتاريخاً وثقافة؟!!
إن حمل وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية ثقيل وكبير.. وروادها ومدعوها مئات وآلاف وفي الساحة تيارات وتوجهات كثيرة وآراء متباينة.. والعبرة بالكيف لا بالكم.. وخير للأمة أن تميز الغث من السمين وأن تميز القطع الأصلية من المقلَّدة والماء من السراب.
يجب أن يكون عطاء الثقافة وبرامجها في المملكة العربية السعودية متفقاً مع مكانتها ودورها في العالم الإسلامي وتشرفها بالريادة والتقدم في خدمة الإسلام والمسلمين وتطبيق شريعة الله والاعتزاز باللغة العربية وآدابها واحتضان المقدسات الإسلامية.
إن الرياض ومكة عاصمتا الثقافة العربية والإسلامية ليس عاماً واحداً فقط وشرف لهما ولأهلهما أن يستمرا كذلك وإن انتقلت البرامج إلى عواصم أخرى ونظمت فيها احتفالات ومناسبات فريادة المملكة ومكة تاريخ وتراث وواقع ومستقبل إن شاء الله تعالى.
وخير وسيلة تعلي شأن البلاد وترفع ذكرها وتنهض بأبنائها هي الثقافة.. وهي الثقافة الأصيلة المستمدة من قيم ومثل وتاريخ.. وأكبر عيب يحطُّ من شأن البلاد وأبنائها ويضعف أثر ثقافتها هو التقليد وهو الترقيم والتنكر للمبادئ والقيم.
وفق الله الدكتور عبدالعزيز السبيل في مستقبل أيامه ونفع به وبجهوده. ويسر للوكالة من يقود (المرحلة) ويكمل المسيرة وينهض بالثقافة لتؤدي رسالتها على أكمل وجه ممكن.
الدلم
عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية