الحياة في أيامنا هذه سريعة التطور والتغير, فالأخبار التي نسمع بها في صباحنا قد يأتي نقيضها مساء والاكتشافات التي يضج بالحديث عنها العالم شهرا تندثر بعد هذا الشهر عمرا, تغير وتبدل فجائي ويندر أن يكون تمهلي، ومع هذا غالبا لا يلاحظه إلا القلة وممن يعنيهم ذلك الأمر, إلا أن الغالبية ممن تحدثوا به واستمعوا إليه لا يلاحظوا بعد لحظات حديثهم تبعاته وتحولاته! ولعل الأمور الاجتماعية من عادات وتقاليد هي من تأخذ الصدر في تغيرها وانحلالها البطيء فما كان لا يتقبل البتة أصبح مشاعا وعلى العكس أيضا وان ندر فما كان يتقبل فيما مضى يصبح مستهجنا غدا, تبدل وتمحور, وهكذا هي الحياة بطبيعتها مراحل تغير مستمرة، وكذلك هو الإنسان الذي يعيش فيها إما يتغير تبعا لها فيسابقها ويتمكن من التعامل الجيد مع الجديد لها، وإما أن يتخاذل ويرفضها ويحارب طبيعتها وشيئا فشيئا يبتعد عن واقع الحياة بتصوراته القاتمة والقادحة بكل خيلاء بكل ما يستجد حوله أم بعيدا عنه.
يقول كونفوشيوس: «عندما لا ندري ما هي الحياة كيف يمكننا أن نعرف ما هو الموت».
تغيرات الحياة كما الأمواج في البحر, تحتاج لقبطان ماهر يجيد ركوبها وإدارة ما بيده وجوفه ليركب الموج ويتوافق مع الطقس.
ومن ثم يصل للشاطئ بثبات وإدراك لحجم التغير الحاصل وتعامل آخذ ومعطاء معه.
إن الحياة لا جمود فيها وكذلك كل المجتمعات التي تنعم في العيش فيها تقوم أمم على أمم، وتندثر حضارات وتبزغ شمس حضارات أخرى, ولا يوجد اندثار لا يخلفه عمار، ما كان الإنسان موجودا, ومهما حمل من تغيرات وسعى لإقامتها ليس من العقلانية أن تعاب ما دامت سمة هذا الحياة التغير والحقيقة التي على الإنسان إدراكها، أن يعمل على صناعة التغير بما يتوافق مع قيم مجتمعه وذلك بإلمامه بما يحدث ويستجد واحتوائه لما يطرأ ويتحول لا بتجاهله ومن ثم التصدي له بلا حصيلة معرفية ولا خزينة من الحجج الحكيمة.
على كل منا أن يدير عقله باستقامة العظماء, ويتماشى مع التغيرات ببصيرة العلماء, وبكثير من شغف المعرفة لكل الأحوال حتى لا يجد نفسه يتحدث في أمور اندثرت، ولا تعقلها الأمم التي تصدرت الأمم ثقافة وصناعة وحضارة على الرغم من غياب الجانب الديني الذي ننعم في ظلاله بالكثير والذي يحفزنا للعظيم.
إن تغير العادات والثقافات في مجتمعنا يمضي في الاستزادة وهو واقع سنتقبله شئنا أم أبينا، صدقنا أو كذبنا, فالأرض لا تقف عن حركتها والإنسان السوي كذلك لن يتصف بالهمود بل سوف يسعى لأن يتوافق معها محاولا أن يسابق العالم أجمع فهما وعلما.
وقد كتب في ذلك القرضاوي أبياتا غاية في البيان والتصور البديع لحقيقة الواقع ولمثل هذا الحال يقول فيها:
قالوا: السعادة في السكون.. وفي الخمول وفي الخمود
في لقمة تأتي إليك.. بغير ما جهد جهيد
في أن تقول كما يقال.. فلا اعتراض ولا ردود
في أن تسير مع القطيع.. وأن تقاد ولا تقود
قلت: الحياة هي التحرك.. لا السكون ولا الهمود
وهي التفاعل والتطور.. لا التحجر والجمود
إلى أن كتب في آخر الأبيات..
هذي الحياة وشأنها.. من عهد آدم والجدود
فإذا ركنت إلى السكون.. فلذ بسكان اللحود.
لذا علينا أن نعي أننا في زمن تتلون فيه حياتنا تبعا لتغيرات مجتمعنا، فإما سباق ووعي يحلق بنا نحو الأخذ بإيجابياته وتزكيتها في النفوس, ومن ثم اتساع الآفاق كلها بما لدينا وإما غور في الوحل وغرق في الرفض له وتضخيم لمساوئه ومن ثم بناء جاهلية في زمن المعلوماتية!
خلاصة الحبر:
المجتمع سوف يتغير إما من الخارج وإما من الداخل فتقبل هذا التغير وكن قبطان الخير له.
البكيرية