مقدمة:
إن الحديث عن المخطوطات العربية في شمال النيجر- منطقة أزواغ وأغدس- وعن حاضرها ومستقبلها لا يمكن دون الحديث عن اللغة العربية؛ فإن الاثنين مرتبطان منذ البداية. والأهمية القصوى التي يعلقها أبناء المنطقة على هذه اللغة تأتي من كونها اللغة التي اختارها الله لنقل رسالة القرآن الكريم إلى البشرية برمتها. وعلى هذه الشاكلة فإن جمهورية النيجر وغيرها من بلدان إفريقيا الغربية شهدت حركة علمية في إمبراطورية برنو وإمبراطورية صُكُتُو على يد الشيخ المجدد عثمان بن محمد بن فودي وعبدالله بن محمد بن فودي ومحمد بلو والوزير جنيد وغيرهم من جهابذة العلم والمعرفة؛ حيث إن اللغة العربية كانت لغة الخطاب والمراسلة، ونتج عن ذلك وجود عديد من الموروث الثقافي الذي يعتبر كنزا للأمة الإسلامية قاطبة. ومساهمة متواضعة مني في التعريف بالمخطوطات العربية في شمال النيجر، حاضرها ومستقبلها، أقدم هذا البحث المتواضع الذي أوردت فيه بيان المخطوطات وأماكن وجودها ومضامينها والمشاكل التي تعانيها وإبراز اهتمام الدولة بحفظ تلك المخطوطات وحمايتها والعناية بها وصيانتها. ويبين البحث أيضا اقتراحات عامة لبذل المزيد من الاهتمام والرعاية لتراثنا العربي الإسلامي في شمال النيجر. وقد قسمتُ هذا العمل إلى مقدمة وفقرات وخاتمة.
أولاً: مراكز المخطوطات في النيجر
*. وعموما يمكن تقسيم هذه المكتبات والمراكز إلى قسمين رئيسيين: المكتبات الحكومية والخاصة.
المكتبات الحكومية
وهي المكتبات أو المراكز التي تشرف عليها الحكومة و من أبرزها:
* قسم المخطوطات العربية والعجمية التابع لجامعة نيامي
* نحو أربعة آلاف مخطوطة*3* مختلفة الأحجام تتمثل في التاريخ والعلوم الإسلامية، وتم فهرستها بدعم من مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي الموجودة في لندن.
ثانيا: المكتبات الخاصة
إن المخطوطات الموجودة في المكتبات الخاصة إذا قورنت بالموجودة في المكتبات الحكومية كثيرة، وهي منتشرة في الوطن، وخاصة في شمال النيجر وفيما يلي ذكر بعض المكتبات العائلية الموجودة في شمال النيجر وأهمها مكتبة مخطوطات أبلغ.
مكتبة مخطوطات أبلغ
تعود المبادرة في إنشاء مكتبة المخطوطات بمدينة أبلغ إلى مجهودات خاصة قام بها الشيخ محمد إبراهيم بن عبد المؤمن. فقد جمع هذه المخطوطات في أماكن مختلفة في أزواغ مثل إيبَغَيْ، وشَادَوَنْكَ وإِدْغُولْ وغَرْوُ وتَازَيْت وتليا وتِلِمْسِس، وتُنْفَامِنِيرْ وغيرها.
والمكتبة عبارة عن بناء شيّد بجوار المسجد العتيق بأبلغ في حي « أَمَنُوكَلْ» وقد تم بناء المخزن الذي يأوي المخطوطات بدعم من «مشروع خاص» بالمناطق الرعوية. ويقدر عدد المخطوطات في المكتبة بنحو 1000 مخطوط وتنوعت موضوعاتها ما بين علوم الدين والمنطق والتصوف والنحو والبلاغة والفلك والشعر وجميعها مكتوبة بالعربية، ليس للمكتبة فهرس مطبوع ولا سجل ولا بطاقات ولا قائمة وهي محفوظة في قاعة شبه متسعة لا تتعرض لرطوبة أو حرارة عالية ظاهرة، وهي موجودة في صناديق من حديد. وقد تصفحتها عند قيامي بعمل الفهرسة فتبين لي أن نسبة عالية تحتاج إلى الصيانة والترميم وإعادة التجليد والتنظيم.
ولا شك في أن مخطوطات كثيرة مبعثرة في المنطقة وموزعة على مكتبات خاصة وبيوت كثيرة. وتدل كثرة المخطوطات في الفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، المتوفى سنة 179/795هـ على أن الشريعة الإسلامية ظلت هي الغالبة في منطقة أبلغ. ولا يفوت المطّلع على هذه المخطوطات أن قسما منها جلب من البلدان المجاورة كما لا يفوته ما يوجد بين هذه المخطوطات من منسوخات بأيدي نساخ محليين وكذلك مصنفات مؤلفين محليين، وقد كثرت أسماؤهم وكانت مؤلفاتهم تشهد على نشاط حركة التأليف والثقافة في المنطقة. وعلى الرغم من تعدد مجموعات المخطوطات العربية والإسلامية في المنطقة فإن مركز أبلغ يعد أهم هذه المراكز لأنه يحتوي على أكبر مجموعة منها. وهذه المخطوطات تبرز العلاقات القديمة القائمة بين شعوب المنطقة والدول الإسلامية المجاورة مثل جمهورية نيجيريا الاتحادية ومالي وموريتانيا والجزائر والجماهيرية الليبية وبوركينا فاسو.
أهداف المكتبة
ومن بين أهداف المكتبة ما يلي:
- اقتناء المخطوطات الأصلية عن طريق الشراء أو الإهداء أو الوقف في أزواغ وخارجها.
- إصلاح المخطوطات والعناية بها وذلك بتجليدها وتصنيفها.
- تصوير جميع المخطوطات الأصلية المحفوظة في المكتبات الرسمية والخاصة لحمايتها.
- تبادل صور المخطوطات بين الجهات العلمية المختلفة في الداخل والخارج.
- توعية عامة الناس بأهمية المخطوطات والحفاظ عليها في البلد.
- تقييم مكتبات المخطوطات العامة والمجموعات الخاصة الموجودة في المنطقة.
- العناية الفائقة والخاصة بالمخطوطات النادرة والوحيدة الموجودة بالمكتبات الخاصة في داخل أبلغ وخارجها، لغرض تصويرها، وتوفيرها لمن يريد الاستفادة منها.
- توفير الخدمات والتسهيلات اللازمة للباحثين الذين يقومون بتحقيق المخطوطات الهامة والموجودة بالمكتبة.
- إقامة المواسم الثقافية السنوية للتعرف على ما تمتلكه المكتبة من المخطوطات.
- ترجمة بعض المخطوطات النفيسة إلى اللغات الغربية.
* مكتبة مخطوطات «غَروُ»
وتعد هذه المكتبة من أهم مكتبات المخطوطات في شمال النيجر حيث ساهمت في تأسيس العديد من المتخصصين وتحتوي على آلاف المخطوطات في شتى الميادين صنفت حسب الأسماء. ومن مقتنياته :
- تقييد الأرجوزة المرسومة بالسلم المرونق لأبي الفرج سيد الجزائري.
- غصب الصباغ في أخبار العشاق لأبي الطاهر الخطيب محمد الأول.
- علامات خروج المهدي لأحمد الرفاعي بن الشيخ عثمان.
- مختصر تاريخ ملوك برنو أبي بكر أحمد البرناوي... إلخ.
* مكتبة مخطوطات «إيبغاي»
تحتوي على العديد من المخطوطات والوثائق والبلاغة ومناقب رجال الدين والسياسة وغيرها. ومن مقتنياتها :-
- بيان وجوب الهجرة على العباد للشيخ عثمان بن محمد بن فودي.
- تزين الورقات لعبدالله فودي.
- موصوفة السودان لعبدالقادر بن المصطفى.
- عمدة العلماء للشيخ عثمان بن محمد فودي... إلخ
مضامين المخطوطات ووضعيتها
أ- مضامين المخطوطات:
تناولت هذه المخطوطات العلوم الإسلامية وغيرها، ففيها المصاحف وعلوم القرآن والعقائد والأدعية والأذكار والفقه والأخلاق والموعظة وعلم اللغة والتصوف والأدب والتاريخ والوصايا والنوازل وعلم الفلك والجداول والوثائق التاريخية المهمة، ومنها فتاوى علماء المنطقة والفرائض، والتفسير، والمدائح وقصائد التوسل، والعقود ورسائل البيع والشراء. وأكثر هذه المخطوطات في الفقه المالكي السائد في غرب إفريقيا. ولا يخفى ما لهذه المخطوطات من فائدة مجلية لأنها تكشف عن تاريخ المنطقة وانتشار الإسلام فيها ونشاطها الأدبي والثقافي.
ب- وضعيتها:
إن التراث العربي الإسلامي في شمال النيجر خاصة وفي إفريقيا السوداء عامة، على الرغم من كثرته وتنوعه وعلو قيمته محيط بجملة من الظروف التاريخية والطبيعية التي جعلته يتعرض للتلف والضياع. وقد أتلفت حشرة الأرضة الكثير من هذه المخطوطات إضافة إلى الرطوبة وسوء التخزين و الحرارة الزائدة، في حين تكون المخطوطات محفوظة في صناديق من الحديد معدومة التهوية، الأمر الذي يجعلها عرضة للتلف والضياع بشكل نهائي.
مستقبل المخطوطات
* وتصويرها تصويرا رقميا وإنشاء الشبكة الإلكترونية وتحقيقها للاستفادة منها.
الخاتمة
بعد هذه الرحلة الطويلة مع المخطوطات العربية في شمال النيجر والتي لا يدعي فيها الباحث الكمال فإنه استطاع من خلالها تسليط الضوء على جانب من التراث العربي الإسلامي المخطوط الذي يعج به الجزء الشمالي للنيجر، متناولا في دراسته حاضر هذه المخطوطة ومستقبلها وبيان سبل استغلالها وما تعرضت عليه من الأضرار نتيجة سوء التخزين، ثم سجل الباحث مقترحات عامة يراها ضرورية لإنقاذ هذا التراث من حالة الضياع والاندثار إلى حالة الجمع والتحقيق وتوجيه الدعوة الملحة إلى مؤسسات حكومية والأفراد وخاصة أبناء المنطقة والمؤسسات العربية التي تهتم بالتراث العربي الإسلامي بتقديم دعم مادي ومعنوي كافيين للمراكز والمكتبات التي تحتضن هذه المخطوطات في إفريقيا لإخراجها من حالة الاندثار إلى حالة الجمع والدراسة والتحقيق. ونقدم فيما يلي بعض المقترحات بغية حماية هذ الكنز:-
*إنشاء صندوق خاص لتمويل حماية التراث المخطوط ونشره.
*إقامة مزيد من التعاون مع اليونسكو والإيسيسكو لتحقيق الغاية.
* وضع قانون موحد لحماية المخطوطات.
* توجيه مزيد من الاهتمام لتحقيق المخطوطات ذات المحتويات العلمية والاقتصادية والاجتماعية، نظراً لأهمية هذه الموضوعات.
* إقامة مزيد من الدورات الفنية الخاصة بترقيم المخطوطات وصيانتها والحفاظ عليها، إلى جانب موضوعات أخرى تتصل بأنواع الخطوط والورق والحبر والكتابة والخطاطين والوقاية من الآفات التي تصيبها.
سالو الحسنكاتب وباحث نيجري - محافظة بوزا بجمهورية النيجر