ما زلت لا أعرف كم أحتاج من الوقت لأقرر نهائياً هل أقرأ الرواية أولاً أم أشاهد الفيلم المأخوذ عنها! فمشاهداتي السابقة لم تمنحني مفاتيح للقرار، فروعة رواية (جيشا) لآرثر غولدن تجعلني أغمض عيني عن أغلب مشاهد الفيلم لكي لا تؤذي ذاكرتي، بينما (العطر) لباتريك زوسكيند ما زلت حتى اللحظة مبهورة بالفيلم الذي فاق الرواية نفسها بمراحل! ولكن حيرتي تلك تجعلني أجد تبريراً قوياً لغازي القصيبي حينما وافق للمرة الثانية على تحويل (أبو شلاخ البرمائي) لمسلسل بعد فشل مسلسل (شقة الحرية)، ورغم فشل الاثنين فإن كنت مكانه ربما أغامر مغامرة ثالثة!
"إن المرور من النص الأدبي إلى السينما يتطلب تدمير أشياء كثيرة. في البداية يتم تدمير الرواية لصناعة سيناريو، وبعد ذلك يجب تدمير السيناريو لصناعة فيلم، فالقضية في عمقها عملية تدمير مستمرة للوصول إلى الصورة" هنا ينتهي حديث الكاتب والمخرج الأفغاني عتيق رحيمي لصحيفة المساء المغربية. أخافتني رؤيته التدميرية ولكن كلامه ذكرني حتماً بما حل ب(شيفرة دافنشي) لدان براون التي أكاد أجزم أن تدمير النص وإعدام أجزاء كثيرة من الرواية كان واضحاً جداً في الفيلم الذي لم يرقني ولا بأي شكل من الأشكال. مما يجعلني من مؤيدي نظرية رحيمي هنا، وإن كان التدمير (أحياناً) خطوة مهمة لتخصيب أرض زراعية! ومحفزاً للمرحلة التي تليها بمنحنا محصولاً مميزاً.
هل أنا مع ما أسماه أمبرتو إيكو بـ(الإنترسيميوتيكية) أي انتقال الفكرة والتعبير من جسم كتاب إلى جسم فيلم، أم يبقى الاثنين متخاصمين لكي لا نغضب من المخرج أو نعتب على المؤلف، ولكن ما يغيظني هو تبرير صنّاع الفيلم الأقل حينما يرمون بأسباب ضعف المحتوى على الجمهور، ولابد هنا من أن أورد مقولة لـ(صبري موسى) كاتب روائي وصحفي وسيناريست مصري قال: "المنتجون يقولون أنهم يحاولون إرضاء الجمهور بالرغم من أن الجمهور أكثر وعياً مما يشاع عنه".
لابد من تغييرات في المرئي قد تصدم ذهن القارئ السابق وتفاجئه بالشخوص بتعبيراتها وملامحها، وهو ما أسماه البعض بقتل الخيال. ولكن ما أعرفه جيداً أنه تحت تأثير عنوان مميز لكتاب أو مؤثرات صوتية عالية المستوى لفيلم ستكون الذائقة وحدها هي صاحبة القرار الفصل.
ويظل السؤال دوماً هل الفيلم زاد من شهرة الكتاب أم العكس؟
تلميح :
هل تعرف أن أحدهم أخبرني عن صبية دخلت إحدى المكتبات وهتفت عندما رأت الكتاب معروضاً: "آه، لقد حولوا الفيلم كتاباً!"
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة (sms) تبدأ برقم الكاتبة 8337 ثم أرسلها إلى الكود 82244
"أمبرتو إيكو"
الرياض
kimmortality@gmail.com