كان ضحى الخميس، بشوقه اتصل، وبذوقه أجاب، وطال الحوار قليلاً، لكنه أحسّ بشيء ما يغلفُ صوتَه؛ لم يسأله إلا عن صحته، وإذْ اطمأن فقد تشعب الحديث لأمور أخرى، واثقاً أن ما أحسه من اختلاف سمعي ليس سوى إيحاءٍ تقنية أو وعثاء سفر.
انشغل بما هو فيه بعد ذلك حتى عاد إلى منزله، وقرأ الصحف، فاكتشف أن حَدْسه في موقعه؛ فرحيل (محمد البنكي) لن يكون أمراً يسيراً على الجميع، أما على عبد الله الغذامي، فأمر جلل؛ لقربهما الشخصي والثقافي الكبير، ولأن «أبا غادة» إنسان شفاف مملوء بالعاطفة السخيّة، وربما لن يُصدِّق عارفوه عن بعد أن قلبه الكبير مسكون بوجع الآخرين، ولن ينسى صاحبكم أن الغذامي هاتفه مرة، ولم يكن قد ذاق طعم النوم، لأن أحداً شكا له حاله بما لم يتوقعه، ولعلمه بهما؛ فقد نام الشجيّ وسهر الخليّ.
استعاد تأثره يوم عزّاه بصديق عمره «محمد السليم» -رحمه الله- وسفره إلى عنيزة من أجل الصلاةِ عليه، والدمعة التي لم يستطع حبسها حين دار حوار حوله في مجلس خاص.
عاد صاحبكم - باستحياء - إلى أستاذه وصديقه يعزيه ويعتذر، وقال الغذامي: إنه أدرك عدم معرفته بالخبر وقت المكالمة، وللمصادفة فقد كان جزء منها خاصاً بقضاء حاجةٍ لمحتاج يتبناها أبو غادة.
قابل صاحبكم محمد البنكي - عليه رحمةُ الله - مرةٌ يتيمة في منزل الغذامي، ولأن الدقيقة الأولى كافيةٌ لتحديد ملامح التواصل بين الناس فقد كانت الجلسة أكثر من كافية لتبيان رقي البنكي وتهذيبه وطيب معشره وعمق ثقافته.
كان - حينها - في مراجعة طبيّة، ورغم معاناته من المرض الصعب فلم تبدُ عليه أي علاماتٍ تشير إلى ضيقهِ أو جزعهِ، وهذه نعمة من الله يمنها على بعض عباده؛ فيرزقهم الصبر ويعدهم بالأجر.
تعب البنكي رحمه الله من العلاج أكثر من المرض؛ فقرّر قطع الدواء، وتحسنت صحتُه ثم انتكستْ، ونفذ أمر الله الذي لا يرد.
لعائلة الدكتور محمد البنكي ومحبيه ولأستاذنا الغذامي أصدق العزاء؛ ونبقى في انتظار من يصلُه الدَّور.
الحياة عزاءٌ متصل.
Ibrturkia@hotmail.com