صوتُكِ يغمرُني أمّي
يغمرُني صوتُكِ حتى آخر وردة عشقٍ
تنبتُ في مجرَى الشريانْ
وفؤادي يخفقُ بين أصابعي الآنَ
فتصدحُ قافيتي
ويفيقُ الزهرُ على شفة المعنى
ألواناً لا تشبهُها ألوانْ
وعيونكِ خلفِي تحرسُ خطوي
منذُ حضنتِ صُراخَ وليدٍ
يكبرُ في عينِ الحبّ نقيّاً..
يتسوّرُ محرابَ الضوءِ وراءَ حدودِ فؤادكِ..
يتوضّأ من ماءِ اللهفة فوقَ ضفافِ عيونكِ
حيثُ يفيضُ غديرُ الطُهرِ وينضحُ بالإيمانْ
ويداكِ تكوّر قرصَ الشمسِ
وتطعمُ روحي..
وتلفّ وشاحَ الدفءِ على صدرِ الأيامِ الأولى
حتّى يغرقَني التحنانْ
صدرُكِ جنّة مأواي ورائحة الطيبِ بِها سَكَني
يتغمّدني فيها نبضُكِ بالرحمة والرضوانْ
وأنا:
نسمة لطفٍ فاحتْ أرجاً
منذُ ثلاثينَ أغنّي
شَغِفا بالعالمِ هيمانْ
- وطني أنثى ترسمُ اسمي
فوقَ دفاترها
حينَ يكونُ الفصلُ مُمِلاًّ
ويكونُ الدرسُ بلا عنوانْ
- وطني الشعرُ
إذا فرحي ولّى
صنتُ قوافيه وعانقتُ الأوزانْ
- وطني، عفوا:
حينَ أغادرُ حضنَكِ يا أمّي، فلتمتِ الأوطانْ
هاتي زنديكِ بلهفتكِ الأولى
ضمّي فرحي
لمّي تعبي
وأعيدي خُطواتي المغروسة خلفَ حدودِ النخلِ بقريتِنا
لفيني الآنَ بِمِلفعكِ الطاهرِ
يا أدفأَ ما في الكونِ منَ الأحضانْ
مازلتُ أُصيخُ لصوتِ (الحمدِ) علَى شَفَتَيكِ
وأنتِ تريقينَ (صلاة الصبحِ) بكأس الطهرِ
وترتفعينَ إلى الله أذانْ
يغتسلُ الفجرُ على خدّيكِ
وهذا العالمُ ملء قنوتكِ يرتقبُ الغفرانْ
وعلى شهقة دمعكِ حين تناجينَ اللهَ
أحسُّ فؤادَكِ يأخذُ شكلَ القرآنْ
عيناكِ وأنتِ
وهذا الليلُ يحدِّثُ عنكِ:
بأي رموشكِ قد خطتِ مفارشَ نومي؟!
وبأي ضُلوعكِ شيّدتِ قُوامَ سريري؟!
وبأي زهورِ اللطفِ نثرتِ الوجدانْ؟!!
يا أمّي:
يا أجملَ أغنيةٍ
تخطرُ في هيئة إنسانْ
يا دفءَ التنّورِ الساخنِ
يا ضَوْعَ هبوبِ القمحِ علَى وجهي
حينَ يحلُّ البردُ
ويصحُو طيرُ مَحَبّتِنا في القلبِ
وتنطلقُ الألحانْ
تنسابُ إليكِ طيورُ الصبحِ..
تحطّ الشمسُ على كتفيكِ
ويتبعُكِ الضوءُ بباحة منزلنا..
يغمرُ وجهُكِ كلَّ مكانْ
يا أمّي:
وأناملُكِ العشرُ وأنتِ
وأبوابُ الخيرِ مفتّحةٌ
حين تسيرينَ وآنية الفقراءِ
على كفّيكِ يعبّئُها الإحسانْ
يا أنشودة هذَا العالمِ
حينَ تضيقُ منافذُ صدري:
ويكونُ الأفقُ رُكامَ دخانْ
قُبُلاتُكِ تغسلُني
مطراً أبيضَ يهطلُ بالسعدِ
على جدب حياتي ويسيلُ أمانْ
فدعي نهراً من صلواتكِ يجري..
يُلقي القبضَ على حمئي المسنونِ
ويودعُه خلفَ القضبانْ.
جاسم بن محمد عساكرsemasakir@hotmail.com